المغرب اليوم

الأمازيغية في «الكان 2025» بين الاعتراف الدستوري والإقصاء العملي..

مفارقة الدستور والتنظيم:

يحتضن المغرب كأس أفريقيا للأمم 2025 في لحظة يفترض أن تجسد تنوع هويته اللغوية والثقافية، وفي مقدمتها الأمازيغية التي كُرِّست لغة رسمية في دستور 2011 إلى جانب العربية.

غير أن المتابعة الأولية لحملات الترويج والتواصل الخاصة بالتظاهرة تكشف حضوراً ضعيفاً أو تكميلياً للأمازيغية مقارنة بالعربية والفرنسية والإنجليزية، خصوصاً في المدن ذات الحمولة الأمازيغية القوية مثل أكادير التي تُقدَّم رسمياً كـ«عاصمة للثقافة الأمازيغية». هذا التفاوت بين النص الدستوري والممارسة يطرح سؤالاً حول الخلفيات السياسية والثقافية لاختيار لغات الواجهة في حدث قاري بهذا الحجم.

الإطار القانوني:

الأمازيغية لغة رسمية «مؤجلة»ينص الفصل الخامس من دستور 2011 على أن العربية تظل اللغة الرسمية للدولة، وأن الأمازيغية «لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيداً مشتركاً لجميع المغاربة دون استثناء»، مع إحالة تفعيل طابعها الرسمي إلى قانون تنظيمي يحدد مراحل إدماجها في التعليم والحياة العامة.

وقد جاء القانون التنظيمي 26.16 ليضع خريطة طريق تدريجية لإدماج الأمازيغية في قطاعات التشريع والإدارة والتعليم والإعلام والفضاء العمومي، مؤكداً أنها «لغة رسمية عاملة» يفترض أن تحضر في التواصل الرسمي، بما فيه التظاهرات الوطنية والدولية.

لكن بطء التفعيل العملي وغياب الإرادة القوية لدى جزء من النخب السياسية والإدارية جعلا حضور الأمازيغية محدوداً في الفضاء العام، كما تشير دراسات نقدية عدة تتحدث عن «فجوة بين الاعتراف الدستوري والتطبيق الفعلي».

واقع الإقصاء:

في تظاهرة قاريةفي سياق كأس أفريقيا 2025، تتجه أغلب المواد الترويجية والهوية البصرية الرسمية نحو العربية والفرنسية والإنجليزية، مع حضور محدود أو شكلي للأمازيغية في الشعارات والملصقات والمنصات الرقمية، إن حَضرت.

هذا الاختيار اللغوي، حتى وإن بُرِّر باعتبارات «التواصل الدولي»، يحمل رسالة رمزية مفادها أن اللغة الأمازيغية لا تزال خارج دائرة اللغات «القابلة للتسويق» في واجهة المغرب، رغم رسميتها ومكانتها في الهوية الوطنية.

الأخطر أن مدناً مثل أكادير، التي تمثل فضاءً طبيعياً لحضور قوي لـتشلحيت في اللوحات الإرشادية وأغاني الملاعب ورسائل الترحيب بالمشجعين الأفارقة، تُترك غالباً لهيمنة الخطاب العربي–الفرنسي الرسمي، بينما يُدفع بالأمازيغية إلى الهامش أو إلى الفولكلور الموسمي في فقرات فنية ثانوية.

أكادير: عاصمة ثقافة مغيبة يحمل لقب «عاصمة الثقافة الأمازيغية» ، في حالة أكادير دلالة رمزية قوية، لكنه يصبح مجرد شعار إذا لم يترجم إلى سياسة لغوية وثقافية في حدث من حجم «الكان».

في مدينة يتحدث فيها جزء واسع من السكان تشلحيت، كان من الطبيعي أن تكون لافتات الملاعب، لوحات التوجيه الحضري، رسائل الترحيب في المطار، وحتى الحملات الإشهارية المرتبطة بالمباريات، ثلاثية أو رباعية اللغات مع حضور واضح للأمازيغية إلى جانب العربية والفرنسية والإنجليزية.

كما كان يمكن أن تتحول أكادير إلى واجهة حقيقية للثقافة الأمازيغية عبر إدراج فقرات فنية أمازيغية في حفلي الافتتاح والاختتام بالملاعب، إبراز الفنون الأمازيغية (أحواش، رقصات ، الموسيقى العصرية الأمازيغية) في فضاءات المشجعين، وتنظيم معارض للتراث والصناعة التقليدية والكتاب الأمازيغي بالتوازي مع المباريات.

بين التهميش وفرصة إعادة الاعتبارتؤكد تقارير دولية ووطنية أن الأمازيغ ظلوا لعقود يعانون من تهميش لغوي وثقافي، وأن وتيرة إدماج الأمازيغية في المؤسسات العمومية ما تزال متواضعة رغم إنشاء صندوق وتمويل برامج لدمج اللغة في التعليم والإدارة والإعلام.

ورغم الخطوات الإيجابية الأخيرة مثل تعميم الأطر الناطقة بالأمازيغية في بعض المصالح العمومية، واعتماد الأمازيغية في لوحات المؤسسات وفي بعض المواقع الرسمية، فإن حضورها في الأحداث الرياضية الكبرى لا يعكس هذا التوجه، بل يكشف استمرار رؤية تعتبر الأمازيغية «لغة داخلية» لا مكان لها في واجهة صورة المغرب للعالم.

كأس أفريقيا 2025 ليست مجرد منافسة كروية، بل لحظة لاختبار صدقية الخطاب الرسمي حول التنوع والإنصاف اللغوي؛ إما أن تتحول الأمازيغية إلى عنصر مركزي في القصة التي يرويها المغرب عن نفسه للقارة والعالم، أو يُعاد إنتاج منطق التهميش ضمن ديكور احتفالي جديد.

مسؤولية المنظمين والنخب الإعلامية:

يقع جزء من المسؤولية على عاتق اللجنة المنظمة والقطاعات الحكومية المعنية بالتواصل والثقافة والرياضة، المطالبة بفرض الأمازيغية لغةً رسمية في كل ما يرتبط بالبطولة من شعارات وهوية بصرية وتصاميم ملاعب ولوحات إرشاد، انسجاماً مع الدستور والقانون التنظيمي.

لكن المسؤولية لا تتوقف عند الدولة؛ فالإعلام الرياضي والعمومي، وخاصة في مدينة كأكادير، مطالب بأن يدفع في اتجاه تطبيع استعمال الأمازيغية في تغطية المباريات، في الأستوديوهات التحليلية، في مقابلات اللاعبين، وفي المواد الوثائقية التي تُنجز عن المدينة والجهة والبطولة.

من دون هذا الضغط الثقافي–الإعلامي، ستظل الأمازيغية رهينة شعارات قانونية جميلة، بينما تستمر لغة الملعب ولغة الصورة في تكريس مركزية العربية والفرنسية وإبقاء لغةٍ رسمية أخرى في الهامش.

          

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى