المجتمع

 من الحكامة إلى التدبير بالنتائج: قراءة في أشغال المجلس الإداري لأكاديمية سوس ماسة..

  • عمر أوزكان*//

شهد مقر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة، يوم الأربعاء 10 دجنبر الجاري، انعقاد المجلس الإداري للأكاديمية، حيث صادق الأعضاء بالإجماع على برنامج العمل الجهوي ومشروع الميزانية لسنة 2026، إضافة إلى مخطط التكوين المستمر والنظام الداخلي النموذجي لمؤسسات التعليم العمومي، بما في ذلك “ميثاق التلميذ(ة)” وتقرير الأداء السنوي، تحت رئاسة وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة محمد سعد برادة.

وفي كلمته الافتتاحية، أكد الوزير برادة على أهمية هذه المحطة كفرصة لتعزيز الحوار البنّاء حول سبل النهوض بالمنظومة التعليمية على مستوى الجهة، مشيدًا بالمجهودات المتواصلة لأعضاء المجلس في دعم أوراش الإصلاح التربوي ومواكبة المشاريع على المستويات الجهوية والإقليمية والمحلية.

وأشار الوزير أن المرحلة الحالية تتطلب متابعة دقيقة للتقدم المحرز في تنزيل المشاريع الإصلاحية، وتسريع وتيرة الإنجاز، مع التركيز على أوراش استراتيجية من قبيل الحد من الهدر المدرسي، توسيع نموذج “مؤسسات الريادة”، تطوير العرض المدرسي، وتأهيل المؤسسات التعليمية والداخليات، بما يعزز جودة التعليم ويخدم التلاميذ وأطر التربية على حد سواء.

حصيلة مرحلية تكشف ملامح تنزيل خارطة الطريق

وإثر تلاوة تقارير اللجان الدائمة المنبثقة عن المجلس الإداري والمصادقة عليها، قدم إدريس واحي، مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس-ماسة، عرضاً مفصلاً تناول فيه الحصيلة المرحلية لتنزيل خارطة الطريق 2022-2026، وتنفيذ البرامج المدرجة في الإطار الإجرائي 2024-2025، ومشروع برنامج العمل الجهوي ومشروع الميزانية لسنة 2026، ومشروع مخطط التكوين المستمر، إلى جانب مشروع النظام الداخلي النموذجي المتضمن “ميثاق التلميذ(ة)”، ومشروع تقرير الأداء برسم سنة 2025. كما قدم المديرون الإقليميون مداخلات حول حصيلة مؤسسات الريادة وبعض المؤشرات التربوية على صعيد كل مديرية.

سنة 2025: من الحكامة النظرية إلى التدبير بالنتائج

أبرز تقرير الأكاديمية التدبيري برسم سنة 2025 مستوى التقدم الجهوي في تنفيذ خارطة الطريق الإصلاحية 2022-2026، حيث برزت منجزات ملموسة في مجالات الحكامة، وجودة التعلمات، وتوسيع العرض المدرسي، والحد من الهدر المدرسي.

ويشير التقرير أيضًا إلى جهود متواصلة في تطوير التكوين المهني وتعزيز البنيات والتجهيزات التعليمية، ما يعكس التزام الجهة بترجمة الخطط النظرية إلى ممارسات عملية قابلة للقياس والمتابعة. هذه النتائج تمنح صورة واضحة عن مستوى الانخراط المؤسسي للأكاديمية ومدى قدرتها على الجمع بين التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ الواقعيللأهداف التربوية.

وقد شكّلت سنة 2025 محطة فاصلة في تفعيل آلية عقود نجاعة الأداء بين الأكاديمية والمديريات الإقليمية والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، إذ ساهمت هذه الآلية في توحيد الأهداف وربط الموارد بالنتائج الملموسة على الأرض. كما أنها مكنت من تعزيز ثقافة التدبير بالنتائج، حيث أصبح كل مشروع أو برنامج يخضع لتقييم مستمر يضمن الانسجام بين السياسات العمومية، الأداء المؤسسي، والأثر التربوي الفعلي، على اعتبار أن النجاح في الإصلاح لا يُقاس بالخطط وحدها، بل بقدرة المؤسسات على تحويل الرؤية إلى نتائج ملموسة تحقق الفائدة للتلاميذ والأطر التربوية على حد سواء.

تيزنيت..عرض إقليمي بلا بوصلة يسقط الأساتذة والمفتشين من معادلة الريادة!

غير أن أشغال المجلس الإداري لم تمرّ كلها بنفس الدرجة من الانسجام والجاهزية، إذ أبانت بعض المداخلات عن تفاوت لافت في مستوى التملك المعرفي والالمام بمعطيات الملفات المعروضة. فقد بدا تدخل المدير الإقليمي لتيزنيت ضعيف البناء، مرتبك اللغة، ومفتقدًا للدقة المفاهيمية والمنهجية، سواء على مستوى صياغة المؤشرات أو تفسيرها، وهو ما جعل عرضه أقرب إلى سرد شفوي متعثر منه إلى تقديم تدبيري متماسك. وما زاد من ضعف العرض، وفق ما ورد في مداخلته، اعتماده شبه الكلي على احتضان المنتخبين وجمعياتهم لمشروع “الريادة”، متجاهلاً الدور المركزي والمحوري للأساتذة والمفتشين…  في إنجاح أي مشروع تربوي، وهو ما خلق فجوة واضحة بين الأداء الواقعي والتمثيل المؤسساتي للمبادرات الإصلاحية.

ففي مقابل هذا العرض المتذبذب، قدّم زملاء المدير الإقليمي، بالإضافة إلى مدير الأكاديمية ذ إدريس واحي، عروضًا متماسكة تستند إلى معطيات دقيقة، ومؤشرات مضبوطة، وربط واضح بين الجهود الفردية للأطر والنتائج الميدانية، مؤكدين أن الأساتذة والمفتشين هم الركيزة الأساسية لأي إنجاز تربوي، وأن الدعم المؤسساتي والتوجيه المهني لا يُعوَّض بالاحتضان الخارجي وحده، مهما بلغت مساهمة المنتخبين وجمعياتهم.

ولم يخفَ هذا التفاوت في الجودة على رئاسة المجلس، إذ بدا أن الوزير التقط بوضوح الفارق بين عرض المدير الإقليمي لتيزنيت، الذي اعتمد على تزيين الأرقام واستعراض الشركاء الخارجيين، والعرض المؤسسي المتكامل الذي قدّمه مدير الأكاديمية، والذي أظهر تحكماً واضحاً في التدبير بالنتائج، وربط محكم بين الأهداف

الريادة: توسع كمي تحت مجهر جودة التعلمات

أشار مدير الأكاديمية في عرضه إلى توسع غير مسبوق في نموذج مدارس الريادة، حيث ارتفع عدد المؤسسات الرائدة بالسلك الابتدائي إلى 380 مؤسسة بعدد إجمالي بلغ 189,843 تلميذاً، يشرف عليها 7,261 أستاذاً. وإكد أن هذا النمو السريع يعكس التزام الأكاديمية بتوسيع العرض المدرسي وتوفير فرص تعليمية نوعية، مع مراعاةالتوازن بين الكم وجودة التعلمات، بما يسهم في تقليص الفوارق المجالية.

وأضاف السيد مدير الأكاديمية إدريس واحي أن توسيع نمودج الريادة شمل السلك الإعدادي بـ 66 مؤسسة رائدة، استفاد منها أزيد من 71 ألف متعلم، مع دينامية تكوينية شملت 8,772 مستفيدًا و94 مفتشاً، إضافة إلى اعتماد التقييمات المستقلة لتعزيز جودة الممارسات البيداغوجية.

وأكد مدير الأكاديمية أن التوسع المتوازن بين العدد وجودة التعلمات قد برهن أن نموذج مدارس الريادة أصبح أداة فعّالة لتعزيز الفعالية التعليمية ومكافحة الهدر المدرسي، مشيرًا للدور المحوري للأساتذة والمفتشين. وأبرز أن الجمع بين التوسع الكمي والتدابير النوعية قد مكن من ترجمة السياسات العمومية إلى نتائج تعليمية ملموسة قابلة للقياس والمتابعة على مستوى المؤسسات التعليمية، وهو ما يعكس نجاح الأكاديمية في تفعيل استراتيجيتها على أرض الواقع بما يعزز جودة التعلمات ويحقق أثرًا فعليًا ومستدامًا.

البنية المدرسية كرافعة تربوية: رهان الإنصاف وجودة الاستقبال

سجّلت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس–ماسة تقدّمًا ملموسًا في مجال تحسين شروط الاستقبال داخل المؤسسات التعليمية، حيث شملت التدخلات تأهيل 196 مؤسسة تعليمية متضررة من زلزال تارودانت، وإحداث 18 مؤسسة جديدة، إلى جانب إحداث 4 داخليات، بما يعزز مبدأ الإنصاف المجالي ويحدّ من الفوارق الترابية، خاصة بالعالم القروي وشبه القروي. وقد شكّلت هذه التدخلات رافعة أساسية لمحاصرة الهدر المدرسي، عبر تقريب المدرسة من المتعلمين، وتحسين شروط الإيواء والاستقرار الدراسي، خاصة بالنسبة للتلاميذ المنحدرين من المناطق النائية والهشة.

وفي الإطار نفسه، تم تجهيز 2.086 قاعة دراسية بوسائل العرض الرقمي، وإحداث مختبرات رقمية، وتوفير تجهيزات معلوماتية لفائدة الأساتذة، بما ساهم في تحسين جاذبية الفضاء المدرسي وتعزيز ارتباط المتعلمين بالمؤسسة.

كما عملت الأكاديمية على توسيع فضاءات القراءة، وتعزيز تدريس اللغة الأمازيغية، إلى جانب إدماج البرمجة والروبوتيك ضمن العرض التربوي، باعتبارها أدوات بيداغوجية حديثة تسهم في رفع الدافعية للتعلم، والحد من الانقطاع المبكر عن الدراسة، خصوصًا في المستويات الحرجة.

وتؤشر هذه الاستثمارات على انتقالٍ تدريجي من منطق التدبير التقني للبنيات إلى منطق الاستثمار التربوي في الفضاء المدرسي، باعتباره عنصرًا حاسمًا في الوقاية من الهدر المدرسي، ودعامة لتحسين جودة التعلمات، وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص، بما يجعل المدرسة العمومية أكثر قدرة على الاحتفاظ بمتعلماتها ومتعلميها وتحقيق الاستمرارية الدراسية.

الهدر المدرسي تحت المجهر: 8 آلاف تلميذ بين الوقاية والمعالجة

وقد أحاط مدير الأكاديمية أعضاء المجلس الإداري بما حققته الأكاديمية في  تقليص الهدر المدرسي، بفضل تفعيل خلايا اليقظة والمتابعة المباشرة للتلاميذ، حيث تم متابعة 8,127 تلميذاً بشكل فردي، إضافة إلى 35 ألف مستفيد من المسارات البديلة، ودعم مدارس الفرصة الثانية وتفعيل المراكز الصيفية. هذه الإجراءات تؤكد أن الأكاديمية لم تكتفِ بالحلول الجزئية، بل تبنت مقاربة شاملة تجمع بين الوقاية المبكرة والدعم التربوي المتواصل لتقليص الانقطاع المدرسي وتحسين استمرارية التعلم.

على صعيد الدعم الاجتماعي، أكد مدير الأكاديمية أن عدد المستفيدين من خدمات الإطعام والداخليات ارتفع إلى 33,239 تلميذاً، ومن النقل المدرسي إلى 65,344 مستفيداً، مع تعزيز شراكات متعددة لدعم الفئات الهشة. ويعكس هذا التوسع في التدابير الوقائية والمعالجة التزام الأكاديمية بضمان تكافؤ الفرص والإنصاف المجالي، وإظهار كيف يمكن أن تتكامل البنية التربوية والخدمات المرافقة لتقليل الهدر المدرسي ورفع جودة التعلمات.

الميزانية.. إنفاق محكم وأثر ملموس في الواقع

أظهرت البيانات المالية التي قدمها مدير الأكاديمية أن نسبة تنفيذ الميزانية بلغت 100% في باب الموظفين، و84.9% في ميزانية التسيير، و79% في باب الاستثمار، مع مساهمة التمويلات الخارجية للشركاء بما مجموعه 100.9 مليون درهم. وتعكس هذه الأرقام قدرة الأكاديمية على ضمان الالتزام المالي والانضباط في صرف الموارد، ما يوفر قاعدة صلبة لدعم المشاريع التربوية والمبادرات الإصلاحية، مع توجيه الموارد نحو الأولويات الحقيقية وتحقيق الفعالية والكفاءة في التدبير.

وأبرز التنفيذ المرتفع للميزانية قدرة الأكاديمية على ربط الموارد المالية بالنتائج التعليمية الميدانية، حيث تُستخدم الاستثمارات في البنيات التحتية والتكوين والدعم الاجتماعي لتعزيز جودة التعلمات وتقليص الهدر المدرسي. كما أن مساهمة التمويلات الخارجية أضافت بعدًا تكميليًا يثري البرامج ويعزز استدامتها، وهو ما يؤكد أن التخطيط المالي المدروس والمراقبة المنتظمة للإنفاق  ضمان فعّال لتحويل السياسات العمومية إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، بما يعكس أثرها مباشرة على المنظومة التعليمية.

نقاش مؤسساتي وشراكات متعددة: من الالتزام إلى التنزيل.

ركزت مداخلات أعضاء المجلس على تثمين الحصيلة المحققة وتقديم اقتراحات عملية لضمان تنزيل أمثل لخارطة الطريق 2022-2026، ما يعكس حرص جميع الأطراف على ربط التخطيط الاستراتيجي بالتطبيق الواقعي على الأرض. وقد جسدت هذه المداخلات مدى إدراك أعضاء المجلس الإداري لأهمية الجمع بين الرؤية المؤسساتية والالتزام العملي لضمان استمرارية الإصلاح وتحقيق النتائج المرجوة في المؤسسات التعليمية.

وقد شهدت هذه الدورة توقيع عقود نجاعة الأداء بين الوزارة والأكاديمية والمديريات الإقليمية، إلى جانب اتفاقيات شراكة متعددة مع مؤسسات عمومية وخاصة لدعم المشاريع التربوية والبنية التحتية والبرامج التعليمية. هذا التكامل بين الالتزام المؤسساتي والشراكات الاستراتيجية يعكس قدرة الأكاديمية على تعبئة الشركاء، وترجمة السياسات العمومية إلى أثر ملموس على مستوى المؤسسات التعليمية، مع تعزيز الاستدامة والتأثير الفعلي للمشاريع الإصلاحية على أرض الواقع.

خلاصة الأثر لا النوايا: النجاح المؤسساتي للأكاديمية وتفاوت الأداء الإقليمي، من ينتج الأثر الحقيقي؟

في ختام أشغال المجلس الإداري لأكاديمية سوس-ماسة، تتضح مفارقة مركزية تتمثل في: نجاح الأكاديمية الجهوية لجهة سوس–ماسة لم يكن نتاج خطابات أو شراكات ظرفية، بل ثمرة تخطيط محكم، واستثمار واعٍ في البنيات والموارد البشرية، وربط صارم بين المؤشرات والنتائج. فقد أبانت المعطيات أن محاصرة الهدر المدرسي تمر عبر تحسين شروط التمدرس، وتقريب المدرسة من المتعلم، وتأهيل الفضاءات التعليمية، وتعزيز الجاذبية البيداغوجية.

غير أن هذا المسار الإيجابي كشف في المقابل عن فجوات كفاءة في بعض المديريات الإقليمية، وعلى رأسها عرض المديرية الإقليمية لتيزنيت، التي عكس عرضها قصوراً في استيعاب الترابط الجوهري بين البنية وجودة التعلمات، ومحاربة الهدر المدرسي، مع ميل إلى تعويض ضعف التملك التربوي بالاستقواء بالدعم الخارجي، وتغييب الدور الحاسم للأساتذة والمفتشين.

وتؤكد هذه الدورة أن ورش الإصلاح لا يُقاس بحجم الميزانيات أو عدد المشاريع، بل بقدرة المسؤولين على تحويل السياسات العمومية إلى أثر تربوي ملموس، قابل للقياس والمساءلة. فحيثما حضر الأستاذ والمفتش التربوي كفاعلين مركزيين، تراجعت نسب الهدر وتحسنت النتائج؛ وحيثما غابا عن الرؤية، ظل الإصلاح معلقًا بين النوايا والواقع. ليبقى السؤال المؤجل حتى محطة المجلس الإداري المقبل، هل يمكن لتفاوت الأداء بين المديريات الإقليمية أن يضعف أثر الإصلاح؟ وما الحلول المقترحة لتعزيز التماثل في الأداء؟

*إطار تربوي وناشط حقوقي

          

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى