
سقف الأمازيغية…لقد سمح للنار أن تضاء، لكن لم يسمح لها أن تنتشر
- الحسين أبليح //
ينهض بروميثيوس ليكتشف أن النار التي منحها للبشر لا يمكنها أن تشتعل خارج الحدود التي رسمتها السلطة العليا.
تنهض الحركة الأمازيغية بعد عقدين ونيف من النضال المؤسسي لتكتشف أن الاعتراف اللغوي والثقافي، مهما بدا كبيرا، يظل محكوما بسقف لا يمكن تجاوزه.
في البدء كان المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، ثم أعقبه الترسيم الدستوري بعد حين، لكنهما تحولا إلى نقط نهاية أكثر مما كانا نقطة بداية.
فلكأنه النسق ذاته.. إنتاج النوع ذاته من السقوف، في إعادة تدوير مثالي، يتيح الحركة داخل الشرنقة / النظام السياسي، دون التجرؤ على ملامسة الدولة أو مساءلة سقفها.
على شاكلة “سقف” محمد إبراهيم بوعلو، سقف يمنح من عَلٍ، ثم يستدمج داخليا حتى يصبح جزءا من وعي الفاعل، وجزءا من حدود خياله السياسي.
بهذا المعنى، هل تكون القضية الأمازيغية – ومعها لفيف القضايا المحايثة: التناوب، الديمقراطية، الانصاف والمصالحة وهلم قضايا- وقائع منفصلة في المشهد السياسي المغربي، أم تعبيرات مختلفة عن الآلية نفسها: سقف قبله الفاعل واستمزجه، ثم دافع عنه، ثم صار جزءا من بنيته الذهنية قبل أن يكون حدا خارجيا مفروضا عليه.
السقف السياسي للحركة الأمازيغية: من المعهد الملكي إلى حدود الممكن والمتخيل
لفهم المسار السياسي للقضية الأمازيغية في المغرب خلال الخمسة والعشرين سنة الأخيرة، هل قيض للحركة الأمازيغية، بكل تياراتها، أن تواجه الآن وهنا حتمية الحركة داخل بطحة الدولة، سقفها محدد ومؤثث سلفا:
المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية 2001
إدماج في التعليم والإدارة ابتداء من 2003
ترسيم الأمازيغية في دستور 2011
لكن، ورغم التراكم الفكري والنضالي، لم تستطع الحركة الأمازيغية النفاذ من هذا السقف، بل لربما تم تكريسه واعتباره نهاية الممكن.
لنفكك الحالة من خلال ثلاث لحظات:
الأولى، من الحركة الثقافية إلى الاعتراف الرسمي: انتقال بلا تحول استراتيجي
انتقلت الأمازيغية من مطلب الهوية واللغة إلى فضاء الدولة عبر مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، لكن حصول ذلك تم دون مراجعة عميقة لأسئلة السلطة، والتنمية، والتمثيل السياسي، ودون بناء مشروع سياسي متكامل.
في الجهة المقابلة/ المقارِنة، توجد حالة العدالة والتنمية، الحزب الذي انتقل من الدعوة إلى الدولة دون تحول ذهني.
هكذا، تكون انتقلت الحركة الأمازيغية من النضال الثقافي إلى الشرعنة المؤسساتية دون تغيير أدواتها أو فهمها لطبيعة الدولة.
الثانية، لحظة السقف: حين يتحول الاعتراف إلى أقصى الممكن
بعد إحداث المعهد الملكي، وبعد ترسيم الأمازيغية، ظن جزء واسع من الحركة أن السقف قد تحقق، إيذانا بطي صفحة الماضي، فصار الاعتراف الدستوري بالنسبة للفاعل الأمازيغي نهاية الأرب، يعامل كما عامل العدالة والتنمية لحظة رئاسة الحكومة، كـغاية… لا كـوسيلة لبناء نفوذ سياسي ومؤسساتي.
فبقيت الحركة داخل مساحات يسمح بها النظام السياسي: لغة، هوية، تنشيط ثقافي…
بقيت أسئلة حرى تقض مضجع الفاعل الأمازيغي، وتشك خاصرته، فصار تحري الإجابة بمثابة إعمال مبضع التشريح في جسد مثخن:
كيف تصبح الأمازيغية سياسة عمومية ملزمة؟؛
كيف ننتقل من ثقافة إلى سلطة؟؛
كيف ننتج نخبا سياسية أمازيغية حقيقية؟.
فقد بقيت خارج الخطاب، دون الالتفات إلى ما تفرق لدى أحمد الدغرني وأحمد أرحموش وغيرهما، فلا يكسر القاعدة، تماما كما بقيت الدولة خارج وعي العدالة والتنمية.
الثالثة، الدولة كمنطقة محرمة
حولت الحركة الأمازيغية الدولة، بوعي أو بلا وعي، إلى فاعل محايد، يمنح الاعتراف ويقرر السقف ويحدد الزمن السياسي. فتحول جزء من الخطاب الأمازيغي إلى طلب الشرعية بدل صناعة الشرعية. الشيء الذي أنتج ثلاث نتائج مشابهة لحالة العدالة والتنمية:
في علاقتها بملف الأمازيغية، الدولة فوق النقد السياسي؛
تحجيم كل محاولة لتسييس الأمازيغية؛
تحويل الحركة إلى فاعل ملحق بالدولة، لا إلى فاعل مستقل.
من الثقافة إلى السياسة: المسافة التي لم تقطع
وصلت الحركة الأمازيغية إلى الاعتراف اللغوي ولم تصل إلى التمكين السياسي. فلم تنتج الحركة حزبا قادرا على حمل المشروع، من الحزب الديمقراطي الفيدرالي مرورا بالحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي إلى تامونت.
ولم تبن كتلة تاريخية تربط الهوية بالتنمية.
كما لم تنتقل الأمازيغية من رمزية الدستور إلى سوسيولوجيا السلطة، وبالتالي، فالأمازيغية لم تصبح قوة سياسية فاعلة، بل ظلت شعارا وطنيا.
سقف الدولة وسقف الحركة: من يحدد من؟
في قضية الأمازيغية، السقف حددته الدولة، وتبنته الحركة. وإذا كان ولابد من المقارنة مع فاعل في الجهة المقابلة كحزب العدالة والتنمية، فالفارق الوحيد أن الأمازيغية قضية هوية وطنية كبرى، كان يمكن أن تصبح رافعة ديمقراطية حقيقية لو تحررت من سقف الدولة، لكن قبول السقف ثم الدفاع عنه ثم تحويله بعد ذلك إلى منجز تاريخي نهائي خلط الأوراق وأحرق المراكب أمام احتمالية العودة إلى النقاش.
النتائج
بتفكيك هذه المقدمات، ألا يمكن القول بأن ما حصل من إدماج للأمازيغية هو في الواقع تحقق رمزي دونما تغيير في بنية السلطة.
وعليه، استمرت الدولة في الإمساك بتلابيب الأمازيغية بقرارات مركزية، منهية بذلك التدافع الديمقراطي المجتمعي بشأنها. ورجعت الحركة القهقرى إلى دكة لعب دور الفاعل الثقافي، في الوقت الذي تولد انطباع لدى الجميع أننا دخلنا مربع الكبار.
فهل هذا نعي إمكانات التغيير التي تحملها الهوية الأمازيغية كرافعة للديمقراطية.؟.
أما بعد،
هل كانت لحظة ترسيم الأمازيغية لحظة كاشفة لسقف الحركة، مثلما كانت اتفاقية التطبيع لحظة كاشفة لسقف العدالة والتنمية؟
هل تكون لحظة الترسيم .. لحظة تفتق البريداتور الذي التهم الوعي الداخلي للحركة الأمازيغية. الاعتراف الدستوري الذي درجت الادبيات السياسية على اعتباره نهاية المسار، ما هو إلا بداية انجلاء الغطاء عن السقف . ذلكم الاعتراف هو ذاته الذي فتح أذرع الدولة لتبني خطاب التعددية، والاستئثار بمناقشة وإصدار القوانين التنظيمية.
فمكث الفاعل الأمازيغي غير بعيد.. ليسقط في يده عند أول منعطف بمناسبة تنزيل تم إفراغه من الإلزام، وتحول التسريع الذي كان أعز ما يطلب إلى إصلاح بطيء يتقدم بالقدر الذي تختاره الدولة.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News



