
كتاب جديد للناقد السينمائي محمد بكريم: “القراءة والتأويل – من الأفلام إلى السينما”..
صدر مؤخرا – وسيوزع مع بداية عام 2026 – كتاب جديد للناقد السينمائي المغربي محمد بكريم بعنوان رئيسي “القراءة والتأويل- من الأفلام إلى السينما” وبعنوان فرعي “موضوعات في السينما المغربية”. هنا ثلاثة أسئلة لصاحب الكتاب
بماذا يمكن أن تقدموا لنا هذا الإصدار الجديد؟
كتاب “القراءة والتأويل – من الأفلام إلى السينما” يأتي في أطار مشروع طموح وتقليد أحاول أن أحافظ عليه منذ حوالي ربع قرن. ألا وهو كلما توفرت لي مادة من مجموع ما أكتبه أعمل على إصدارها في كتاب. وهكذا أصل الحمد الله اليوم إلى الإصدار السابع. وهو مشروع له أبعاد توثيقية إن صح التعبير لأنه يضع أمام المتتبع الذي لم يتمكن من الاطلاع على بعض المساهمات في حينها أن يجدها متوفرة في كتاب.
ثم هناك بعد تربوي – سينيفيلي يتجلى في وضع رهن إشارة المهتمين الشباب نماذج وتجارب في الكتابة سواء على مستوى قراءة الأفلام أو اثارة بعض الإشكالات المتعلقة بالسينما كظاهرة شمولية (بمفهوم مارسيل موس). ثم لا أخفي بأن هناك بعد ذاتي وهو كوني أسعى الى الحفاظ ضد النسيان وتقاسم بعض النصوص التي أعتبرها قريبة مني كثيرا مع أوسع جمهور ممكن.
والكتاب اصدار ذاتي يقع في 300 صفحة من الحجم الكبير في طبعة محترمة (مطبعة دار السلام بالرباط وأحيي بالمناسبة مديرها وطاقمها) بثمن 100 درهم للعموم و200 درهم كثمن داعم.
وعن المحتوى فهو يتوزع على محورين يشكلان صلب الكتاب: محور “موضوعات” ومحور “أفلام”. مؤطرين بفصل معنون ب “استهلال” و “ملحق”. ويفتتح الكتاب بما يشبه مقدمة، “هذا الكتاب” وهي نص طويل نسبيا وهو عبارة عن مجموعة من الفرضيات التي لا تخلو من نفحة سِجالية.
وترتيب المواد يأخذ شكل مجموعة من الملفات: السينما المغربية (التاريخ، الإشكالات الراهنة…) ملف عن النقد السينمائي، وسينما المرأة، والفيلم الوثائقي…ثم محور عن قراءة الأفلام: مجموعة منتقاة على أساس اختيارات ذاتية متنوعة وضمنيا تشتمل على ما قد يشكل ملفا كما هو الحال مع ملف فوزي بنسعيدي أو ملف هشام لعسري…
كما أن هذه القراءات تشكل نوع من الرحلة داخل خريطة الأجيال نجد فيها أسماء من الرواد (أحمد البوعناني، عبد القادر لقطع، مصطفى الدرقاوي…) وصولا إلى الجيل الجديد مع زينب واكريم والحسين الشاني…وتضمن الملحق مواد متنوعة مثلا لائحة أفضل 20 فيلم عربي كنت شاركت بها في استفتاء نظمه أحد المواقع وأضفت إليها لائحة أفضل أفلام عالمية…
الجديد هذه المرة أنه وخلافا لكُتبك السابقة بالفرنسية هذا كتاب باللغة العربية
الأمر ليس جديدا. إنها عودة إلى اللغة العربية. هنا أود التذكير بأنني كنت أكتب باللغة العربية خاصة ابان الصفحة السينمائية لجريدة أنوال التي كان أول من أشرف عليه هو الراحل نورالدين الصايل والذي كان يشجعني كثيرا في هذا الاتجاه. واستمر الأمر على ذلك لمدة غير أنني سرعان ما اصطدمت بإشكال المصطلح: أن تكتب بالعربية يعني أن تقوم بمجهود مزدوج: أن تجتهد في قراءة الفيلم، وأن تجتهد أكثر في نحت المصطلح المناسب خاصة أن المشارقة في هذا المجال يتجاوزون هذا الاشكال إما بتوظيف المصطلح بلغته الأصلية أو تجاوز القراءة الجمالية التقنية بالتركيز على البعد الأدبي – الدرامي والثقافي للفيلم.
وفي كتابي هذا أعود لطرح سؤال المصطلح انطلاقا من عينات محددة مثل “.la séquence.” أو “..la mise en scène.” لأن المسألة ليست مجرد مصطلح بل مفاهيم تأسيسية لكل مشروع قراءة. فمثلا بالنسبة لمصطلح الميزاونسين والذي يتم اختزاله تعسفا في الإخراج يسمح بتصنيف عملي لأسلوب اشتغال بعض السينمائيين. فهناك سينمائيي الإخراج وسينمائيي الميزاونسين وهناك سيمائيين يركبان بين الاثنين في نفس الفيلم. بل إن السينما المغربية كانت في سبعينات القرن الماضي “سينما الإخراج” وفي التسعينات طغت “سينما الميزاونسين”…وربما يمكن فهم الطفرة الجماهيرية للسينما المغربية انطلاقا من هذه المعادلة، من هذا الانتقال في الأسلوب …
ويبقى التمرين إيجابي جدا ومفيد معرفيا لتأكيد من جديد بأن اللغة ليست فقط “أداة” “وسيلة” بل هي جزء من الفكر بل وموجه له
ماهي أهم الإشكالات التي يطرحها الكتاب؟
يمكن القول أن الجملة الأولى التي افتتح بها ما يشبه المقدمة تلخص مجموع اشكالاته وهي: “السينما وصلت عندنا في شرط تاريخي غير سينمائي”. بمعنى أن السينما وردت في كمنظومة متكاملة في بيئة لا تشبه البيئة التي أنجبتها والمتمثلة في المجتمع الرأسمالي في مرحلته الصناعية والتوسعية
جاءت السينما إلى بلادنا مع بداية القرن العشرين في ظروف لم تتوفر فيها نفس وضعية الشرط التاريخي الذي وُلدت فيه في أوروبا، أي نجاح الثورة البورجوازية وتحقيق هيمنتها على الفضاء العام وتحول النظام الرأسمالي الى نظام عالمي يطمح الى الغاء كل الحدود أمام انتشار “سلعه” المادية والرمزية (لغة، أشكال تعبيرية). فحلت السينما ببلداننا في سياق علاقات “تبعية”.
“الخطيئة الأصلية” تعود الى الفرق بين الزمن الأوروبي – الذي تحول بوصول الرأسمالية الى أعلى مراحلها، الامبريالية، الى زمن كوني- والزمن المحلي (المغربي) مع فشل المشروع التحديثي الطموح للسلطان مولاي الحسن الأول، على عكس ما جرى في اليابان (بفضل نجاح عهد ميجي) حيث انخرط الزمن المحلي بسلاسة وابداع في الزمن الكوني (سينمائيا مع ميزوكوشي مثلا).
ومن هنا جاء الكتاب كمحاولة لتفكير هذا الوضع. إنه وليد وعي شقي: كيف نتحدث في سياقنا الخاص عن أفلام (محلية) ضمن سياق سينمائي (كوني) متكامل ويندرج في منظومة لها منطقها الداخلي. والتي لا تتردد في بسطه (ثقافيا وتجاريا) ضمن منظومة صناعة الفرجة العالمية.
بصيغة أخرى كيف ننتج خطابا يحمله وعي تاريخي مطابق، بمعنى سؤال النقد السينمائي هنا والآن في سياق ثقافي- اجتماعي ميزته “فتنة مفاهيمية” وتيه فكري.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News



