الرأي

إلى أيّ حد نجحت النيابة العامة في تفعيل القانون 103.13 لمحاربة العنف ضد النساء في المغرب؟

سنة 2018، أقر المغرب القانون رقم 103.13، وهو خطوة تشريعية غير مسبوقة تهدف إلى حماية النساء والفتيات من جميع أشكال العنف، سواء كان جسديًا، نفسيًا، اقتصاديًا أو رقميًا. هذا القانون جاء بعد نضالات حقوقية طويلة، ووُصف وقتها بأنه “قانون ثوري” في منطقة شمال إفريقيا.

ومع مرور عدة سنوات على دخوله حيز التنفيذ، يظهر فجوة واضحة بين النصوص التشريعية والواقع الميداني، ما يطرح سؤالًا جوهريًا حول مدى نجاح النيابة العامة في تفعيل هذا القانون وضمان حق الضحايا في الحماية والإنصاف.

الإنجازات العملية للنيابة العامة

أثبتت النيابة العامة خلال السنوات الأخيرة اهتمامًا واضحًا بقضايا العنف ضد النساء، من خلال:

* إدراجها ضمن أولويات السياسة الجنائية.
* تعميم مواد توجيهية لإطار عمل القضاة ووكلاء الملك.
* إطلاق دورات تكوينية وورش عمل بالتعاون مع مصالح الأمن ووزارة التضامن ومراكز الاستماع القانونية.

كما سجلت بيانات رسمية ارتفاعًا في عدد القضايا المسجلة:

* عام 2020: نحو 64,251 قضية.
* عام 2021: 96,276 قضية.
* عام 2022: انخفاض طفيف إلى 75,240 قضية.

هذا يعكس تحسنًا في قدرة الضحايا على التبليغ والوصول إلى النيابة العامة. علاوة على ذلك، تم تأسيس خلايا متخصصة في بعض المحاكم ومراكز استماع ودعم نفسي وقانوني للضحايا، وهو ما يعد تطورًا مؤسسيًا مهمًا.

الفجوة بين النص القانوني والتطبيق الواقعي

على الرغم من المكاسب، تظهر المعطيات الميدانية أن ارتفاع عدد الشكايات لا يترجم بالضرورة إلى حماية فعلية أو إنصاف قضائي.
دراسة وطنية في 2019 بينت أن نحو 57٪ من النساء تعرضن على الأقل لفعل عنف واحد خلال 12 شهرًا، إلا أن حوالي 90٪ من هؤلاء الضحايا لم يقدمن على التبليغ إلى السلطات.
كما تشير بيانات قطاع العدالة إلى أن معظم الشكايات لا تصل إلى إدانات نهائية أو أن المساطر القضائية تتعثر، ما يخلق فجوة كبيرة بين عدد القضايا المسجلة ونتائج المتابعة القضائية الفعلية.

التفاوت الجهوي ونقص الموارد

التطبيق العملي للقانون 103.13 متباين بشدة بين الجهات:

* بعض النيابات والمحاكم أنشأت خلايا متخصصة وبروتوكولات فعالة.
* دوائر أخرى تفتقر إلى أي عنصر مختص.

إضافة إلى ذلك، هناك نقص واضح في البنية التحتية لمراكز الاستماع والإيواء، خاصة في المناطق النائية، مما يضع الضحايا أمام خيار صعب بين متابعة مسطرة قضائية معرضة للمخاطر الاجتماعية أو الانسحاب.
غياب الشفافية والمؤشرات التفصيلية حول نتائج الأحكام ومتابعة التدابير الوقائية يزيد من صعوبة تقييم فعالية القانون على الأرض.

الوعي القانوني والاجتماعي

تواجه المغرب تحديات اجتماعية وثقافية تعيق نجاح القانون:

* الكثير من النساء لا يعرفن حقوقهن بموجب القانون 103.13.
* وصمة اجتماعية وخوف من الانتقام أو الانتقاد المجتمعي يقلل من رغبة الضحايا في التبليغ أو متابعة الإجراءات القانونية.
* أشكال العنف الحديثة، بما فيها الرقمي، ما زالت تتطلب جهودًا أكبر للتوعية ولتكييف القانون مع المستجدات.

القراءة النقدية

يمكن القول إن النيابة العامة قامت بخطوات أساسية، من حيث:

* توجيه السياسات الجنائية.
* تسجيل القضايا.
* تقديم بعض أدوات الدعم المبدئية.

لكن الفعالية الحقيقية لا تتحقق إلا إذا ترافق القانون مع إرادة سياسية قوية، موارد بشرية ومادية كافية، توعية مستمرة، وتنسيق فعال بين جميع الفاعلين: النيابة العامة، الأمن، الصحة، وزارة التضامن، الجماعات الترابية، والمجتمع المدني.
البيانات الحالية تكشف أن غالبية الشكايات لا تنتهي بأحكام نهائية أو حماية مستمرة للضحايا، ما يعكس وجود فجوة كبيرة بين الطموح التشريعي والتطبيق الواقعي.

توصيات عملية لتعزيز فعالية القانون 103.13

1. إنشاء منصة وطنية موحّدة لتسجيل جميع ملفات العنف ضد النساء، تشمل كامل مراحل المسطرة، مع مؤشرات أداء واضحة مثل زمن الفصل ونسبة الإدانة.
2. تعميم خلايا متخصصة في جميع المحاكم الابتدائية مع توفير الموارد البشرية والتكوين المستمر.
3. توسيع شبكة مراكز الاستماع والإيواء وفق احتياجات الجهات المختلفة، مع تركيز على المناطق النائية.
4. تنفيذ حملات توعية وطنية مستمرة، متعددة اللغات، تستهدف النساء والفتيات والمجتمعات المحلية، لتقليل الوصمة وزيادة المعرفة بحقوق الضحايا ومسارات التبليغ.
5. مراجعة القانون لتغطية أشكال العنف الحديثة، مثل العنف داخل الزواج أو العنف الرقمي، وتسهيل إجراءات الإثبات ودعم الضحايا نفسيًا واقتصاديًا.
6. إنشاء آلية مستقلة لمراجعة سنوية تشمل المجتمع المدني والجامعات ومؤسسات حقوق الإنسان لتقييم الأداء وكشف نقاط القصور.

إن هذا المقال اعتمد على بيانات وتقارير ودراسات منشورة تتعلق بالقانون 103.13 وأداء المؤسسات في مجال مكافحة العنف ضد النساء،
وذلك استناًدا إلى المعلومات
المتوفرة حتى حدود سنة 2022ـ2023، كما أن جميع المعلومات الواردة تم تجميعها وتحليلها بطريقة نقدية وموضوعية لتقديم قراءة تقييمية لما يظهره الواقع على الأرض. الغرض من المقال هو إبراز الفجوات والتحديات في التطبيق العملي للقانون واقتراح توصيات لتحسين الأداء المؤسسي والتنسيق بين الجهات المعنية.

خاتمة:

القانون 103.13 خطوة تشريعية تاريخية في المغرب، لكنه لا يضمن وحده حماية حقيقية وفعالة للنساء.
النجاح يعتمد على تنفيذ متكامل يشمل الموارد، التنظيم، التوعية، والتنسيق المؤسسي.
البيانات المتاحة تكشف فجوة كبيرة بين النصوص والممارسة الواقعية، وتشير إلى أن معظم النساء لا يحصلن على حماية فعلية، رغم وجود القانون.
التحول نحو مجتمع أكثر أمانًا ومساواة يحتاج إرادة جماعية لتعزيز تطبيق القانون، تطوير مؤشرات الأداء، وتوسيع شبكات الدعم لضمان أن يصبح التشريع أداة فعّالة للعدالة والحماية.

يونس أكرشال
باحث في قضايا النوع الاجتماعي

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى