الثقافة

جسور من “إكودار بسوس” إلى “أورليون”: حين يلتقي الضوء بالمنحوثة

  • الحبيب نونو //

بين سوس العريقة ودفئها، وبين أضواء أورليون وحداثتها، نسج فنانان أمازيغيان فصلاً جديداً في سجل التناغم الفني الإنساني. هذا ليس مجرد تواصل عابر، بل هو سيمفونية بصرية ومجسمة تعزف على وتر الهوية وتدبير الزمن.

إنه الفنان سعيد أوبراهيم، رحالة الضوء الذي لا يهدأ، حامل كاميرته كـ”دفتر سفر” يخترق به القارات والأزمنة. سعيد، الذي جاب الهند والهمالايا والنيبال ليأتينا بـصور نادرة عن شعائر العبادة وطرق العمل الإنساني، يضع بين أيدينا اليوم كنزاً بـصورتين عابرتين للقارة، تختزلان عظمة “أكادير” (المخزن الجماعي).

كـمخرج مسرحي، أرى في صور سعيد إبراهيم رقصة بصرية خالدة: إنها تجسيد حداثي لتراث اقتصادي أمازيغي.

تدبير الندرة والوفرة، رصيد من الحكمة الهندسية والقيم الاجتماعية الأصيلة. الصورتان ليستا فقط توثيقاً لـ”أول بنك بشري”، بل هما مسرح للتفاعل الإنساني عبر آلاف السنين.

على الضفة الأوروبية، وفي قلب أوروبا المعاصرة بمدينة أورليون، يستقبل هذا الإرث البصري الفنان سعيد أدوس، نحات الحدود والجسور، القادم من حي الباطوار بأكادير ليؤسس لهوية فنية جديدة في المهجر.

سعيد أدوس، الناحت العصري، ينظر إلى صورة “أكادير”، هذا الأصل المصنوع من التراب والحجر، ليترجمه بـلغة فنية حديثة تتراشق فيها أساليب الفن التشكيلي.

هنا يكمن جودة اللقاء وجمالية التناغم:

الأصل (سعيد إوبراهيم): الصورة (الضوء) تسرد عمق الحكمة الأمازيغية.

الامتداد (سعيد أدوس): المنحوتة (المادة) تكسر المسافة بين أوروبا وسوس، مستخدماً الحديد والإسمنت والخشب ليصنع هيكلاً حداثياً ينهل من جوهر التراث.

تدوينة فنية: من الحجر إلى الحديد

يا لهذا التفاعل العميق! سعيد إوبراهيم ينقل حياة وثقافة، وسعيد أدوس يمنحها روحاً جديدة في سياق تشكيلي مغاير. الصورة تبني، والمنحوتة تعلق. الصورة تحكي عن المخزن الجماعي كـ”نص مسرحي اقتصادي”، والمنحوتة تقدمه كـ”مشهد ديكوري” عصري بامتياز.

هذا التناغم بين فنانين، يثبت أن الفن ليس مجرد لوحات ومجسمات، بل هو جسر تواصل خالد يربط بين الأمس واليوم، بين الضفتين الشمالية والجنوبية، ويستثمر قوة الصورة وصلابة النحت لصالح مستقبل فني لا يعترف بالحدود.

تحية إجلال للفنان سعيد إوبراهيم الذي حمل إلينا الضوء، وتحية إكبار للفنان سعيد أدوس الذي أعاد صياغة هذا الإرث بجمالية فنية حديثة.

الحبيب نونو/ تيزنيت 29 نونبر 2025

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى