المجتمع

الإجهاد المائي، ورهانات البقاء بواحات الجنوب ومناطق أركان..

  • الحسن باكريم – أكادير اليوم //

الواحات الجنوبية في المغرب…هل يتهددها العطش والانقراض؟ وهل يوجد إجهاد مائي حقيقي في المغرب؟ هل استطاع المغاربة الحد من سوء استهلاك الماء ؟ وهل توزيع يخضع لتدبير محكم ؟ أم أن نتملص من الحقيقة ونرمي كل تدابرنا المختلة على الجفاف وعدم تساقطات الأمطار؟ هي أسئلة كثيرة طرحتها او دفعت لطرحها ندوة علمية نظمت مؤخرا بجماعة تيمولاي.

الندوة نظمت ضمن فعاليات الدورة 8 من المهرجان الدولي ظلال أركان بجماعة تيمولاي ببويزكارن باب الصخراء ، ندوة تفاعلية سلطت الضوء حول موضوع الواحات في ظل الإجهاد المائي، أطرها ثلة من المختصين من المسؤولين والجامعيين( محمد أزروال عن وكالة الحوض المائي درعة واد نون، ايت اهداد عبد الكريم عن المديرية العامة لهندسة المياه، مصطفى بوتميت جامعي ، مبارك أوراغ جامعي)  وأدار  أشغالها الزميل عبد الرحمان شنا، وبمناسبة حضورنا في الندوة ننشر هذه المساهمة إغناء للنقاش الجدي الذي فتحته هذه الندوة الناجحة.

تعيش الواحات الممتدة عبر أقاليم درعة وتافيلالت، واد نون، طاطا وزاكورة، على وقع أزمة مائية غير مسبوقة تهدد استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، بل ووجودها البيئي أيضاً. هذه الفضاءات، التي شكلت عبر قرون مجالات للعيش والزراعة والثقافة، أصبحت اليوم تواجه مصيراً غير مأمون بفعل أزمة مركبة تتداخل فيها عوامل المناخ، والاستنزاف البشري، وتراجع البنيات التقليدية التي كانت تحمي النظام الواحي من الانهيار.

أزمة ندرة تُعمّق هشاشة الواحات

الإجهاد المائي، ورهانات البقاء بواحات الجنوب ومناطق أركان.. - AgadirToday

تعتمد الواحات تاريخياً على توازن دقيق بين الماء والتربة والنخيل. غير أن السنوات الأخيرة حملت معها تحولات مناخية حادة، تجسدت في انخفاض كبير في التساقطات، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع الموارد السطحية والجوفية.

ففي واحات درعة مثلاً، تراجعت قوة جريان وادي درعة بشكل لافت، وتقلصت قدرة سد المنصور الذهبي على تزويد الواحات بأحجام كافية من الماء. أما في طاطا وزاكورة، فقد انخفض منسوب الفرشات الجوفية بأمتار سنوياً بفعل الجفاف المتواصل والاستهلاك الفلاحي المكثف.

زراعات مستنزِفة للماء تزيد الضغط

ورغم هشاشة المنطقة، فقد توسعت خلال العقد الأخير زراعات مُجهِدة للماء، أبرزها البطيخ الأحمر الذي غزا مساحات واسعة من زاكورة وطاطا، إلى جانب زراعات أخرى لا تتماشى مع الإمكانيات المائية المحدودة للمجال الواحي. هذا التحول الفلاحي، المرتبط أحياناً بالمضاربة وبالبحث عن الربح السريع، ضاعف الضغط على الفرشات المائية التي تُعد المصدر الحيوي الوحيد لاستمرار الواحات.

انهيار الأنظمة التقليدية لتدبير الماء

كانت الواحات المغربية تعتمد لقرون على نظام هندسي واجتماعي متقدم، يشمل الخطارات، والسواقي، وتقسيم “النوبة” الذي ينظم استغلال الماء بعدالة( نظام تاناست).

إلا أن هذه الأنظمة انهارت تدريجياً بفعل تراجع الموارد المائية وقلة الصيانة وضعف تدخل الجماعات الترابية. انهيار هذه البنى التقليدية أفقد الواحة أحد أهم عناصر توازنها البيئي.

نتائج مقلقة على الأرض

تواجه الواحات اليوم مظاهر مقلقة:

موت كبير لأشجار النخيل في أكثر من منطقة، خاصة في زاكورة وفم الحصن وطاطا.

تراجع إنتاج التمور، خصوصاً الأصناف المحلية التي تعتمد على الري التقليدي.

زحف الرمال والتصحر، بفعل انحسار الغطاء النباتي، وهو ما يهدد طمس بعض الواحات.

الهجرة القروية، حيث غادرت عائلات عديدة نحو المدن مع فقدان مصادر العيش التقليدية.

هذه المؤشرات تدق ناقوس الخطر، وتكشف أن القضية لم تعد مجرد أزمة عابرة، بل تهديد وجودي يتطلب تدخلاً عاجلاً.

حلول ممكنة لتفادي الأسوأ

الحفاظ على الواحات يقتضي رؤية استراتيجية شجاعة تجمع بين حماية المورد المائي وتطوير الاقتصاد المحلي، ويمكن تلخيص أبرز الحلول في:

تقنين الزراعات المُجهِدة للماء، ووقف تمددها في المناطق الهشة.

إعادة إحياء الخطارات والسواقي التقليدية، نظراً لفعاليتها العالية في الاقتصاد المائي.

اعتماد محطات لتحلية المياه بالطاقة الشمسية، وهي حلول أصبحت مجدية اليوم في المناطق الجنوبية.

تشجيع الاقتصاد الواحي المبني على التمور، الأعشاب الطبية، وتثمين المنتجات المحلية.

مكافحة التصحر عبر مشاريع تشجير وحماية التربة.

خلاصة:

الواحات ليست مجرد فضاءات زراعية، بل تمثل إرثاً حضارياً وثقافياً عميقاً في الجنوب المغربي. غير أن استمرارها اليوم مهدد بأزمة مركبة قد تؤدي إلى اختفاء بعضها خلال العقود المقبلة إن لم تُتخذ إجراءات حاسمة.

إنقاذ الواحات هو إنقاذ لجزء من الذاكرة البيئية للمغرب، ولأسلوب عيش ظل لقرون نموذجاً للتوازن بين الإنسان والطبيعة.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى