
مصطفى المسناوي : في ذكرى رحيل صديق ومبدع كبير
- محمد بكريم
كان المخرج الأمريكي فرانك كابرا يقول، عن علم ودراية: «السينما مرض؛ والترياق الوحيد للسينما هو السينما!»، حتى أن الإنسان أحيانًا يموت بسببها.
مصطفى المسناوي مات من أجل السينما، في السينما، خلال مهرجان سينمائي. كان ذلك قبل عشر سنوات، في 15 نوفمبر 2015 الحزين. كان في القاهرة من أجل مهرجان السينما الذي كان من رواده المخلصين.
كنا نعلم أنه كان مريضًا. تحدثنا عبر الهاتف قبل بضعة أسابيع فقط. كنت في خريبكة وهو في العيون. استفسرت عن حالته الصحية وأخبرني أنه مضطر لتقليل نشاطاته. مجرد تعبير لأن العزيز مصطفى لم يكن من النوع الذي يستسلم. كان رجلاً عملياً، في خدمة شغفه، السينما والثقافة.
كان في العيون في إطار الاحتفالات بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء حيث أدار مؤتمراً حول مكانة الوثائقي في إعادة تأهيل الثقافة الحسانية. تلا ذلك توقف قصير في الدار البيضاء قبل التوجه إلى ضفاف النيل، القاهرة… لقد اتصل بي ليشجعني على المجيء إلى القاهرة حيث يتزامن مهرجانها مع مهرجان قرطاج الذي كان وجهتي المفضلة (لم تكن لي قدرة مصطفى على التكيف مع الامبريالية اللغوية للمصريين).
كنت قد وعدته أن أحضر في الأسبوع الثاني من المهرجان. وصلت أخيرًا إلى القاهرة لكن مصطفى لم يكن هناك. لقد توفي بالفعل بنوبة قلبية بينما كان في فندقه. صديقنا الإعلامي الامع لحسن العسيبي الذي رافقه في لحظاته الأخيرة قدّم رواية مؤثرة وشهادة مؤلمة.
مصطفى مسناوي هو نموذج المثقف متعدد الأبعاد. مُتَشَبِّعٌ بروح العصر. مواطن حديث منفتح على إنجازات التقدم التقني في مجال الإعلام. أستاذ فلسفة، كان كاتبًا، روائيًا، ناشرًا، ناقدًا تلفزيونيًا ومتخصصًا في الوسائط الجديدة.
مسناوي أدرج نشاطه الفكري في بعد حداثي ملتزم بخدمة ازدهار الروح النقدية والانفتاح. فاعل ثقافي منذ شبابه، كان في مناضلا اليسار الجديد في سبعينيات القرن الماضي (كانت ستجمعنا صدفة وقبل أن تارف احدى خلايا 23 مارس). ودفع ثمن ذلك وأصبح جزءًا من ضحايا السنوات، التي تُعرف بسنوات الرصاص. تم اعتقاله وسجنه (1974-1976) وضمن ملف الاتهام كانت أعماه الابداعية و أظن من بينها قصته الشهيرة “الاتوروت”).
مصطفى المسناوي فهم في وقت مبكر جدًا دور الثقافة، لا سيما في تعبيراتها الحديثة لتعويض التأخر التاريخي الذي كان يميز مجتمعنا. ثم استثمر جهوده بالكامل في الإبداع الأدبي، ونقد السينما والتلفزيون.
كما أنشأ اطارا للترجمة يتيح للقراء الناطقين بالعربية النصوص الأساسية في العلوم الإنسانية، وخاصة النصوص الرئيسية لرولان بارت. بصفته ناقدًا سينمائيًا، كان أحد أفضل المتخصصين في السينما العربية وكان مستشارًا خبيرًا للعديد من المهرجانات في جميع أنحاء العالم فيما يتعلق بالسينما المغربية.
مصطفى مسناوي كان أيضًا كاتب الدراما التلفزية عظيم، يساهم في كتابة العديد من المسلسلات الكوميدية الناجحة. كان يساعده في ذلك أسلوب ساخر لاذع، دقيق ومدمر: كاريكاتير بالكلمات. تحت مظهر المثقف الصارم، الفيلسوف الجاد، كان المسناوي يتمتع بحس فكاهي كبير.
كان قد أصبح مرجعًا في التقاط تناقضات ومفارقات عادات البرجوازية الصغيرة الحضرية الجديدة. مطاردًا بسخرية وبُعد المأساة غير المرئية للعلاقات الاجتماعية.
أسلوب ونظرة ستُفتقر بشدة اليوم في مشهد تغمره التفاهة والرداءة.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News



