الثقافة

محمد مرنيش:  رائد السينما التي تحكي الإنسان الأمازيغي

لم يكن #محمد_مرنيش #أوطالب، المولود في #مزوضة ب #شيشاوة سنة 1951، مجرد مخرج يضيف أعمالا إلى سجل السينما المغربية؛ كان ـــ بالأحرى ـــ ضميرا فنيا يسير على قدمين، ووجها نقش في ذاكرة الصورة الأمازيغية بوصفه أحد آبائها الأوائل وحراس لغتها البصرية.

رحل مرنيش عن عالمنا في 28 شتنبر 2012 بمنزله في #الدار البيضاء، بعد صراع مع المرض لم يفلح فيه علاج، لكنه ترك وراءه ما هو أثبت من الجسد: ترك إرثا سينمائيا بعمق أرض تنبت حجارتها #الذاكرة قبل الزرع.

كان الرجل، طيلة مسيرته، يخوض معركة صامتة مع الادارة ( بأجهزتها الثقافية والإدارية ) لكنه لم يتراجع عن مشروعه: سينما تعيد الاعتبار للإنسان الأمازيغي، وتمنح صوته وملامحه وتضاريسه حق الظهور الكريم.

ومع ذلك، ظل مرنيش واحدا من أعمدة الفن الوطني، وشاهدا نبيلا على طور تأسيسي للسينما الأمازيغية، ما جعل #مهرجان_إسني_ن_ورغ يخصه بتكريم رفيع في دورته السابعة سنة 2013، احتفاء بنتاجه الذي قارب خمسة وعشرين فيلما( فيديو و سينما)، شكل كل واحد منها لبنة في صرح الهوية البصرية المغربية.

لم تكن أفلامه تسعى إلى السوق ولا إلى الجوائز؛ كانت تنبض بحقيقة المكان ولغته. فعندما أشاهد أعماله، يخال إلي أنني أمام وثيقة حيّة عن البساطة الأمازيغية: عن الإنسان، عن شجر الأركان المهدد اليوم بالانقراض، عن امازيغية الجنوب المتنوعة التي تنساب في شريطه بصدق الريح وهي تعبر سفوح سوس الكبير. هناك، في كل لقطة، تجد حنان الأرض قبل جمال الصورة، وصوت لغة أبعدت طويلا عن دستور البلاد، قبل أن تستعيد مكانها بأقل من عام فقط على رحيله.

وأحتفظ بذكرى أخيرة لا تغيب: آخر لقاء جمعني به في مقهى “اللذة” قرب مبنى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. كان المخرج قد اتصل بي بإلحاح لنشرب الشاي معا. جاء متعبا بعد اجتماع مرهق، يرتدي بدلة أنيقة لكنها لم تخف إرهاق وجهه. قال بصوت خافت، وكأنه يضع جملة على قبره القادم: ‘إن مت، فهؤلاء هم سبب وفاتي.’

لم يوضح، ولم أسأله. كان يتحدث عن كل شيء إلا عن وجعه الحقيقي، حتى قال قبل أن نفترق: ‘سأحتاجك قريبا’ وكانت تلك حاجته الأخيرة.

أسابيع قليلة قبل رحيله، دعي إلى الدورة السادسة من مهرجان إسني ن ورغ (26–30 شتنبر 2012). طلب إعفاءه من الحضور، ووعد بأن يكون بيننا في النسخة اللاحقة بفيلمه «واك واك أتايري». لكن القدر قرر أن يكون حضوره الوحيد هو ترحمنا عليه في اليوم الثاني من الدورة ذاتها.

ولما رحل، عادت إلى الواجهة شهادات قاسية، أبرزها ما قاله الراحل أحمد بادوج، حين اتهم جهات كانت – بحسب رأيه – تحرمه من حقه في الدعم الوطني للسينما والتلفزيون. والمفارقة أن #مرنيش كان من أوائل المنتجين الذين أغنوا خزينة #المركز_السينمائ_ المغربي عبر الرسوم المفروضة على المنتوج السمعي البصري، دون أن يجني سوى التعب وانتظار الاعتراف.

رحل محمد مرنيش… لكن السينما الأمازيغية ما تزال تمشي على الطريق الذي شقه هو آخرون، وبإصرار لا يشبه إلا صمت الجبال التي أحبها. لقد ترك خلفه ريبيرتوارا صار اليوم جزأ من الذاكرة الثقافية المغربية، وجعل من الكاميرا وصية نحملها جميعا: #الأرض، و#اللغة، و#الإنسان.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى