
الجزائر والتضليل الإعلامي اتجاه المغرب: حين تتحول الأخبار إلى أدوات حرب باردة
- أكادير اليوم – الحسن باكريم//
تعيش العلاقات المغربية الجزائرية منذ عقود على إيقاع توتر سياسي وإعلامي مزمن، لم يعد يقتصر على الخلافات الدبلوماسية التقليدية، بل تجاوزها إلى حرب سرديات تتخذ من الإعلام سلاحًا رئيسيًا لتوجيه الرأي العام وصناعة الصورة. ويبدو أن النظام الجزائري جعل من التضليل الإعلامي جزءًا من استراتيجيته في التعامل مع المغرب، خصوصًا في كل ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية ودور الرباط الإقليمي المتنامي في إفريقيا والعالم العربي.
تضليل ممنهج… وليس مجرد خصومة إعلامية
منذ السبعينات، وظّفت الجزائر إعلامها الرسمي لتكريس رواية أحادية حول “تقرير المصير” و”الشعب الصحراوي”، بينما تجاهلت مبادرات المغرب الواقعية للحكم الذاتي، وحقائق الميدان التي تؤكد ارتباط الساكنة الصحراوية بالمغرب.
هذا النهج لم يتوقف عند حدود القنوات الوطنية، بل انتقل إلى المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي التي تستغلها جهات مدعومة من النظام لترويج أخبار كاذبة وصور مفبركة تتعلق بالأوضاع الداخلية في المغرب.
وفي تقرير صادر عن المرصد المغربي لمحاربة الأخبار الزائفة (2024)، تم توثيق أكثر من 300 مادة مضللة مصدرها مواقع جزائرية تناولت المغرب بطريقة سلبية أو عدائية، خاصة في فترات حساسة مثل تجديد ولاية بعثة المينورسو أو بعد كل انتصار دبلوماسي مغربي في إفريقيا.
أدوات التضليل وأساليبه
تعتمد وسائل الإعلام الجزائرية على مجموعة من تقنيات التلاعب بالمعلومة، أبرزها:
- الانتقائية في التغطية: نشر أخبار عن احتجاجات معزولة في المغرب وتضخيمها، مقابل التعتيم على مظاهرات الحراك الجزائري.
- التحوير والتضخيم: تحويل تصريحات لمسؤولين مغاربة إلى مواقف “عدائية”، بهدف إثارة الغضب الشعبي.
- التدويل عبر اللغات الأجنبية: من خلال منصات ناطقة بالفرنسية والإنجليزية مثل Algérie 54 وL’Expression، التي تنقل روايات موجَّهة للرأي العام الغربي.
- الجيوش الإلكترونية: صفحات وهمية على فيسبوك وX (تويتر سابقًا) تمارس ما يُعرف بـ”الهندسة المعلوماتية” لتكرار الرسائل المضللة وصناعة الاتجاه العام.
هذه الممارسات تتقاطع مع ما وصفه الباحث الكندي دانيال أودير (Daniel Audet) في دراسته حول “الإعلام والتضليل في إفريقيا الشمالية” (جامعة كيبيك، 2023)، حيث أكد أن “الجزائر توظف أدوات التضليل الرقمي ضمن استراتيجيتها الإقليمية لمحاصرة النفوذ المغربي في إفريقيا”.
الإعلام المغربي… بين المهنية والدبلوماسية الهادئة
في مقابل الحملة الجزائرية، اختار المغرب نهجًا يقوم على الاحتراف الإعلامي والرد بالحجة والوقائع، بعيدًا عن منطق الشتائم أو الخطاب العدائي.
فقد طوّر المغرب خلال العقد الأخير منظومة إعلامية متوازنة تجمع بين الدبلوماسية التواصلية (عبر وزارة الخارجية) ووسائل الإعلام الوطنية العمومية والرقمية المستقلة.
وقد ساهمت هذه المقاربة في تعزيز مصداقية الرواية المغربية على المستوى الدولي، خاصة مع انفتاح وسائل الإعلام الإفريقية والعربية على تغطيات موضوعية لقضية الصحراء المغربية، بعد أن أدركت ضعف السردية الجزائرية وارتباطها بحسابات النظام العسكري.
أهداف التضليل الجزائري
يرى مراقبون أن التضليل الإعلامي الجزائري يخدم أهدافًا داخلية وخارجية في آن واحد:
- داخليًا: تحويل الأنظار عن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وتوجيه الرأي العام نحو “عدو خارجي”.
- خارجيًا: محاولة إضعاف صورة المغرب وتشويش علاقاته المتينة مع حلفائه في الخليج وإفريقيا وأوروبا.
- سياسيًا: دعم جبهة البوليساريو في وقت فقدت فيه الكثير من التعاطف الدولي، خاصة بعد اتساع دائرة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء.
وقد لخّص الباحث المغربي عبد الرحيم المنار اسليمي (2024) هذه السياسة في إحدى دراساته بقوله:
“التضليل الإعلامي الجزائري ليس مجرد سياسة إعلامية، بل امتداد لعقيدة سياسية ترى في نجاح المغرب تهديدًا لبنية النظام نفسه.”
نحو إعلام مغاربي مسؤول
إن تجاوز حالة الصراع الإعلامي بين البلدين يقتضي تحرير الإعلام الجزائري من التوجيه الرسمي، والانتقال نحو ممارسة مهنية تضع مصلحة الشعب الجزائري فوق الاعتبارات الإيديولوجية.
كما أن الإعلام المغربي، رغم احترافيته، مدعو إلى الاستثمار أكثر في الفضاء الرقمي الدولي لنقل روايته بلغات العالم، بدل الاكتفاء بالدفاع عن الموقف الوطني داخل الحدود.
خلاصة:
تؤكد التجربة أن التضليل الإعلامي الجزائري اتجاه المغرب لم ينجح في إقناع الرأي العام الدولي، بل أدى إلى نتائج عكسية، حيث ازدادت الثقة في الطرح المغربي القائم على الواقعية والحل السلمي.
أما الإعلام المغربي، فقد استطاع أن يرسّخ صورته كصوت متزن ومسؤول في منطقة يغلب عليها التوتر الدعائي.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة أن حرب السرديات لا تُحسم بالأكاذيب، بل بالمصداقية، وأن الشعوب المغاربية، رغم كل ما يُبثّ من سموم إعلامية، ما زالت تدرك عمق الروابط التاريخية التي تجمعها أكثر مما يفرّقها.
مراجع مختارة:
- المرصد المغربي لمحاربة الأخبار الزائفة، تقرير 2024.
- Audet, Daniel. Media and Disinformation in North Africa, Université du Québec, 2023.
- المنار اسليمي، عبد الرحيم. الجزائر وصناعة العداء الإعلامي ضد المغرب، مركز السياسة الدولية، 2024.
- تقرير مجلس السمعي البصري المغربي (هاكا)، “رصد تغطيات القنوات الأجنبية للمغرب”، الرباط 2023.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News



