المغرب اليوم

محمد السادس..صوت العقل الذي حسم معركة الصحراء وفتح أفق المستقبل المغاربي.

  • حسن كرياط //

في لحظة تاريخية مفصلية، جاء الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس عقب القرار الحاسم لمجلس الأمن الداعم للمقترح المغربي للحكم الذاتي، ليشكل وثيقة سياسية بليغة تتجاوز الاحتفال بالانتصار الدبلوماسي إلى رسم معالم مرحلة جديدة في تاريخ المغرب الحديث. لم يكن الخطاب بروتوكولياً ولا تقليدياً، بل خارطة طريق استراتيجية تؤسس لعهد من الثقة الوطنية والواقعية السياسية والانفتاح الإقليمي.

الملك، في هذا الخطاب، لم يتحدث بمنطق المنتصر على خصومه، بل بمنطق المنتصر للحكمة والشرعية والتاريخ. فقد أكد أن المغرب لا يسعى إلى إذلال أحد، وإنما إلى تحقيق حل سياسي واقعي وعادل ودائم، يحفظ كرامة الجميع ويضمن استقرار المنطقة. إنها ديبلوماسية الأخلاق والعقل، لا ديبلوماسية التصعيد والانفعال.

ومن أبرز ما ميّز هذا الخطاب، تلك الدعوة الصريحة والصادقة الموجهة إلى الجزائر لفتح صفحة جديدة من الحوار والتعاون. فالرؤية الملكية تنطلق من إيمان عميق بأن مستقبل المغرب الكبير لن يُبنى بالجدران ولا بالخلافات المصطنعة، بل بالتكامل بين شعوبه. وهنا يبرز البعد المغاربي في الخطاب، باعتباره نداءً لإحياء الاتحاد المغاربي من رماده، وإعادة بعث حلم الوحدة في زمن التكتلات الإقليمية الكبرى.

لقد نجح المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، في نقل ملف الصحراء من منطق “إدارة النزاع” إلى منطق “ترسيخ السيادة”. فالعالم اليوم بات يُدرك أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية هي الحل الوحيد الواقعي والقابل للتطبيق، وهو ما تعكسه مواقف دول كبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، التي أعلنت دعمها الصريح لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وشجعت الاستثمارات فيها. إنها لحظة التحول التاريخي التي تؤكد أن الديبلوماسية الهادئة والرصينة تحقق ما تعجز عنه المواجهات العقيمة.

كما حمل الخطاب الملكي بعداً وطنياً وإنسانياً مؤثراً، من خلال إشادة جلالته بتلاحم المغاربة وتضحياتهم من أجل وحدة التراب الوطني. فقد برهن الشعب المغربي، بمسيراته العفوية ومواقفه الثابتة، أن الصحراء ليست مجرد قضية سياسية، بل قضية وجود وهوية وانتماء. وأكد الملك أن الوطن يسع جميع أبنائه، بمن فيهم العائدون من مخيمات تندوف، في رسالة واضحة بأن الوحدة الوطنية تقوم على المصالحة لا على الإقصاء.

خطاب الملك محمد السادس إذن ليس مجرد بلاغ رسمي، بل بيان وطني جامع يؤسس لمرحلة “الفتح الجديد” في تاريخ المغرب: مرحلة التنمية، والاستقرار، وترسيخ السيادة. هو خطاب يمزج بين الحزم في المبادئ والمرونة في الأسلوب، بين الواقعية السياسية والطموح الاستراتيجي، ليؤكد أن المغرب اليوم لم يعد بلداً يدافع عن حدوده فقط، بل فاعلاً إقليمياً مؤثراً يسهم في بناء السلم والتنمية في إفريقيا والمغرب الكبير.

لقد وضع هذا الخطاب الأسس الفكرية والسياسية لمغرب جديد، ووجّه رسالته للعالم بلغة العقل والحكمة والمسؤولية:
أن المغرب ماضٍ في تعزيز وحدته، وترسيخ مكانته، وبناء مستقبله بثقة وهدوء…
فهو صوت العقل في زمن الضجيج، وصوت الحكمة في زمن التحولات، وصوت المستقبل في زمن التحديات.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى