
مهنة التعليم: حين يتحول الشغف إلى إرهاق نفسي
- الاستاذة عايشة ببو//
مهنة التعليم تُعدّ من أسما المهن لأنها ترتبط ببناء الإنسان قبل أي شيء آخر..
كان المدرسون رمزًا للعلم، والقدوة في السلوك، وحارسًا للقيم والمعرفة. غير أنّ التحولات الاجتماعية والاقتصادية، والتربوية المتسارعة، جعلت هذه المهنة تعيش اليوم أزمة حقيقية، يتجلى أحد مظاهرها في ما يُعرف بـ التعب النفسي والمهني، أو ما يُصطلح عليه بـ “الاحتراق المهني”..
يبدأ أغلب المدرسين مشوارهم المهني بحماس كبير، مدفوعين برسالة التعليم النبيلة، ورغبة صادقة في إحداث الفرق في حياة المتعلمين.. لكن مع مرور السنوات، تبدأ جذوة الحماس في الانطفاء ، لتحل محلها مشاعر التعب، والإنهاك، والإحباط.. بسبب تراكم
الضغوطات و كثافة البرامج وصعوبة إدارة الصفوف و ضعف الاعتراف المجتمعي، وتدني ظروف العمل……
فتُصبح المهنة التي كانت مصدر عطاء، سببًا في الإنهاك النفسي والجسدي. ويتجلى هذا التعب
في صور متعددة اهمها:
فقدان الدافعية والرغبة في الإبداع داخل القسم.
الشعور بعدم الجدوى من الجهود المبذولة، خاصة في ظل ضعف التقدير أو غياب النتائج الملموسة.
التوتر الدائم بسبب ضغط الزمن المدرسي، أو التعامل مع سلوكات تلاميذ صعبة..
اضطرابات النوم والقلق الناتجة عن التفكير المستمر في العمل.
الانسحاب الاجتماعي أو العزلة التي يختارها بعض المدرسين نتيجة الإرهاق المزمن..
هذه المظاهر وأخرى لا تُضعف فقط أداء المدرس، بل تمتد آثارها إلى المتعلمين أنفسهم، حيث تتراجع جودة التواصل، وقد يغيب أيضا البعد الإنساني الذي يشكل جوهر العملية التعليمية..
فما هي العوامل التي تؤدي إلى التعب النفسي والمهني في مهنة التعليم؟
يمكن تصنيفها في ثلاثة مستويات حسب تصريح عايشة ببو كوتش مدرسي :
– عوامل مادية وتنظيمية: مثل الاكتظاظ داخل الأقسام، ضعف الوسائل التعليمية، الروتين الإداري، والضغط الزمني..
. عوامل اجتماعية: من أبرزها تراجع صورة المدرس في المجتمع، وتنامي السلوكيات العدوانية تجاهه.
. عوامل شخصية ونفسية: ترتبط بعدم التوازن بين الحياة المهنية والخاصة، وانعدام الدعم النفسي أو آليات التفريغ.. وضعف الوعي بالذات وعدم الاشتغال على تنميتها وتطويرها..
كل هذه الأسباب تتفاعل فيما بينها، لتخلق بيئة عمل مرهقة للمدرسين والمدرسات.
نحو مقاربة إنسانية لمهنة التعليم.
واضافت ان مواجهة ظاهرة التعب المهني لا يمكن أن تتم من خلال الحلول التقنية أو الإدارية فقط، بل تحتاج إلى مقاربة إنسانية شمولية تعيد الاعتبار للمدرس كإنسان قبل أن يكون موظفًا..
ينبغي أن تُدرج في السياسات التربوية برامج للدعم النفسي والتكوين في التوازن الذاتي، وتخفيف الضغط الإداري، وتوفير مساحات للتعبير والمشاركة..
يجب إشراك المجتمع في استعادة صورة الأستاذ والأستاذة واحترام دورهما المحوري في التنمية..
فحين يفقد الأستاذ وتفقد الأستاذة الإحساس بالمعنى، يفقد التعليم روحه..وتصبح رسالة التعليم مصدر رزق فقط لا مصدر إلهام وحياة..
فدعمهم نفسيًا ومهنيًا ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية للحفاظ على روح التعليم وجودته..
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News


