الرأيالسياسة

حين يتحول المال العام إلى غنيمة حزبية… عبث السياسة وغياب الضمير الوطني..

  • بقلم: حسن كرياط //

لم يعد خافياً على أحد أنّ بعض الأحزاب السياسية في المغرب تتعامل مع المال العام وكأنه إرثٌ خاص، تُوزَّع مغانمه على المقربين وتُدار به الحملات الانتخابية في غيابٍ شبه تامٍّ للرقابة والمحاسبة. هذه الظاهرة التي تتكرر في صمت، تكشف عمق الأزمة الأخلاقية التي تنخر جسد العمل الحزبي، وتحول السياسة من خدمةٍ للوطن إلى وسيلةٍ للاغتناء وتبادل المصالح.

فمنذ سنوات، والمشهد الحزبي يعيش على وقع تقارير صادمة صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، تُفنّد الشعارات وتُعرّي ممارسات غير مسؤولة، تُهدَر فيها الملايير من الدراهم دون أثرٍ ملموسٍ على الواقع السياسي أو التنموي. والمثير أن بعض هذه الأحزاب، التي تستفيد بسخاء من الدعم العمومي، ما تزال تتلكأ في تبرير مصاريفها أو تقديم الوثائق المطلوبة، وكأنّها فوق القانون والمساءلة.

الأدهى من ذلك أنّ أغلب هذه الأموال تُصرف في مجالات لا علاقة لها بالتأطير أو التكوين أو تعزيز الديمقراطية الداخلية، بل تُوجه نحو الحملات الانتخابية والولائم والدعاية الشخصية، بينما تظل برامج الإصلاح والتحديث مجرّد شعارات موسمية. وتتحول الساحة السياسية إلى حلبة للمناورة، حيث يتقن البعض لعبة استنزاف المال العام تحت غطاء العمل الحزبي.

لقد أثبتت التقارير الأخيرة للمجلس الأعلى للحسابات أنّ عدداً من الأحزاب لم يلتزم حتى بالحد الأدنى من الشفافية، وأنّ الرقابة الداخلية غائبة أو صورية. وهذا يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن لمن لا يحسن تدبير أموال حزبه أن يُدير شؤون دولة أو جماعة محلية؟

إنّ غياب الوازع الأخلاقي داخل عدد من التنظيمات السياسية هو ما جعل المال العام يتحول إلى مطية للوصول، لا إلى وسيلة للإصلاح. بل إنّ بعض القيادات الحزبية تتعامل مع الدعم العمومي كما يتعامل التاجر مع رأس ماله الخاص، متجاهلةً أنّ هذه الأموال مصدرها جيوب المواطنين، وأنّها وُجدت لخدمة الديمقراطية لا لتغذية الريع السياسي.

ولعلّ ما نحتاج إليه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، هو إرادة سياسية حقيقية تعيد ضبط العلاقة بين المال والسياسة، وتجعل من الشفافية والمحاسبة مبدأً لا استثناء. فبدون ذلك، ستظل الثقة في الأحزاب تتآكل، وسيبقى المال العام ضحية الطمع واللامسؤولية.

إنّ الوطن لا يحتاج إلى أحزاب تُتقن فنّ التبرير، بل إلى قوى سياسية نزيهة تعيد للسياسة معناها الأخلاقي، وتجعل من المال العام أداةً للبناء لا وسيلةً للنهب.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى