الرأيالسياسة

السياسة الإعلامية في المغرب وضعف التواصل المؤسساتي

  • بقلم الحسن باكريم //

يلعب الإعلام والتواصل دورًا محوريًا في بناء وتوجيه السياسات العمومية عبر العالم، باعتباره قناة أساسية لشرح القرارات العمومية، إشراك المواطنين في النقاش العام، وتعزيز الشفافية والمساءلة.

غير أن التجربة المغربية تكشف عن وجود فجوة واضحة بين ما تنتجه الدولة من سياسات ومشاريع وبرامج، وما يصل فعليًا إلى الرأي العام عبر قنوات الإعلام والتواصل المؤسساتي.

فالمؤسسات العمومية والخاصة، على السواء، تعاني ضعفًا في استراتيجيات التواصل، مما يضعف من قدرتها على إشراك المجتمع في السياسات العمومية ويجعل الإعلام غير قادر على مواكبة كافة الأنشطة والمبادرات.

مع موجهة الاحتجاجات الإجتماعية الأخيرة اكتشفنا حجم الخصاص في التواصل والإعلام رسميا وشعبيا،  على مستوى غياب التواصل والإعلام أفقيا وعموديا داخل المجتمع ،  وعلى مستوى مواكبة الأحداث بشكل منصف بعيدا عن الإشاعات والتضخيم .

أولًا: أهمية الإعلام والتواصل في السياسة العمومية عبر العالم

1. التواصل كأداة استراتيجية في الحكم:

الحكومات الحديثة تعتمد التواصل كعنصر أساسي في صياغة وتنزيل السياسات العامة.

الأمثلة:

الولايات المتحدة: مؤسسة البيت الأبيض للتواصل تضع خططًا يومية وإستراتيجيات متوسطة المدى لإدارة العلاقة مع الرأي العام.

الاتحاد الأوروبي: يولي أهمية كبرى للتواصل المؤسساتي، عبر مكاتب إعلامية تابعة لكل مديرية عامة، لنشر المعطيات بشفافية وإشراك المواطن الأوروبي في النقاش العمومي.

كندا وبلدان الشمال الأوروبي: تفرض قوانين صارمة حول حق المواطن في الوصول إلى المعلومة وشفافية العمل الحكومي.

2. التواصل في عصر الرقمنة:

شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة رئيسية للتفاعل السياسي والمؤسساتي. ومؤسسات الدول المتقدمة تضع فرقًا متخصصة لمراقبة وتحليل النقاشات الرقمية، وتبني تواصلًا استباقيًا.

3. التواصل كشرط للثقة الاجتماعية:

الثقة في المؤسسات ترتبط بشكل مباشر بقدرتها على التواصل. وغياب التواصل الفعال يؤدي إلى تضخم الإشاعات وفقدان ثقة المواطن.

ثانيًا: الإعلام المغربي – المؤسسات، القوانين، والواقع

1. البنية المؤسساتية للإعلام في المغرب

المؤسسات الإعلامية العمومية: القطب العمومي السمعي البصري (الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، القناة الثانية 2M، ميدي 1 تيفي، وكالة المغرب العربي للأنباء).

الصحافة المكتوبة والرقمية: حوالي 320 جريدة ورقية و1000 موقع إلكتروني معترف به وفق آخر إحصاءات المجلس الوطني للصحافة.

الإذاعات الخاصة: أكثر من 20 إذاعة خاصة مرخصة.

2. الأطر القانونية:

الدستور المغربي 2011 يقر حرية الصحافة وحق المواطن في الوصول إلى المعلومة.

قانون الصحافة والنشر (2016) إطار قانوني ينظم عمل الصحافة الورقية والإلكترونية، مع إلغاء العقوبات السالبة للحرية.

القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات (2018) يفرض على الإدارات العمومية نشر المعطيات المتوفرة.

القانون 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري (2005) أسس عمل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا).

3. مظاهر الأزمة في التواصل المؤسساتي بالمغرب:

تتشكل مظاهر هذه الأزمة من غياب مصالح مهيكلة للتواصل والإعلام داخل الوزارات والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية. والاعتماد على أسلوب رد الفعل بدل التواصل الاستباقي. وضعف الموارد البشرية المؤهلة والمتخصصة في الاتصال المؤسساتي. وغياب استراتيجية واضحة للتواصل الرقمي ومواكبة النقاشات الرقمية.

وهناك أيضا فجوة بين الإعلام العمومي وانتظارات المجتمع، حيث يظل النقاش العمومي ضعيفًا مقارنة بحجم التحديات التنموية والسياسية.

ثالثًا: ضعف السياسة الإعلامية وانعكاساته:

الإنعكاس على السياسات العمومية بسبب غياب إشراك حقيقي للمواطن في تتبع المشاريع العمومية.

الإنعكاس على ثقة المواطن: تضخم فجوة عدم الثقة بين الدولة والمجتمع.

الإنعكاس على الإعلام الوطني: فقدان المصداقية أمام الجمهور الذي يتجه نحو الإعلام الرقمي ومصادر غير رسمية.(مواقع التواصل الإجتماعي)

الإنعكاس على صورة المغرب دوليًا: ضعف إبراز منجزات الدولة ومكانتها في المحافل الدولية.

رابعًا: توصيات لمعالجة الإشكال:

1. إرساء مكاتب للتواصل والإعلام داخل كل مؤسسة عمومية وخاصة.

2. تكوين ناطقين رسميين وتخصصيين في الإعلام المؤسساتي وتحفيزهم على العمل التواصلي

3. اعتماد استراتيجيات للتواصل الرقمي تراعي سرعة انتشار الأخبار وتطور النقاشات العمومية.

4. تعزيز استقلالية الإعلام العمومي ليكون منبرًا للنقاش العمومي لا مجرد ناقل للأحداث الرسمية.

5. تفعيل قانون الحق في الحصول على المعلومة بشكل حقيقي وشفاف.

6. إحداث مخطط وطني للتواصل العمومي يحدد أهدافًا واضحة وقابلة للتقييم.

7. إحداث مجلس وطني للصحافة حقيقي يدبر المهنة ذاتيا  ويمثل، قولا وفعلا، كل المهنيين المتدخلين بشكل ديمقراطي، بعد سحب مشروع  القانون التراجعي الحالي.

خلاصة :

يظل الإعلام والتواصل المؤسساتي من أبرز التحديات التي تواجه المغرب في زمن الرقمنة والانفتاح الإعلامي.

فالسياسة الإعلامية الحالية تعاني من قصور في التنظيم، ضعف في المواكبة، وغياب لثقافة التواصل الاستراتيجي.

والحل يمر عبر إصلاحات هيكلية تؤسس لإعلام مؤسساتي قوي، قادر على دعم السياسات العمومية، تعزيز الثقة المجتمعية، وضمان إشراك المواطنين في صنع القرار العمومي.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى