
العين الأخرى: مفاهيم سينمائية ..جدلية النقل والتأصيل
- محمد بكريم//
كيف نتحدث عن السينما. أقصد كيف نتحدث عن الأفلام.
السينما “لغة أجنبية” انتجت حقلا معجميا مرافقا. ونحن نتحدث عنها بلغة “اجنبية” موازية.
الحديث عن السينما، منذ البدء، اصطدم بإشكال اللغة الواصفة. نتحدث عن السينما بلغة ليست “لغتها”. الحل الأمثل (الذي احلم به) هو أن تنتقد فيلم بفيلم: قول على قول / فيلم على فيلم!
وفي سياقنا الخاص، كيف نتحدث عن أفلام (محلية) ضمن سياق سينمائي متكامل ويندرج في منظومة ثقافية اجتماعية لها منطقها الداخلي. في حقل مضاد /خارج مجال السائد، السائد وليد منطق منظومة صناعة الفرجة العالمية والتي لا تتردد في بسطه (ثقافيا وتجاريا) عالميا.
بصيغة أخرى كيف ننتج خطابا يحمله وعي تاريخي مطابق، بمعنى سؤال النقد السينمائي هنا والآن.
وفي جوهر ذلك، قضية المفاهيم والمصطلحات التي نستعملها لقراءة الفيلم المحلي.
ما سبق (والتالي) مقترح، طموحه الأقصى هو “أجر الاجتهاد” ويبقى الهدف اثارة – المشاركة – في نقاش حان وقته لمُسائلة المصطلحات والمفاهيم التي نقارب بها أفلام تسعى أن تجد موقعا لها في النسيج الثقافي لمجتمعها. البحث عن لغة سينمائية مطابقة لواقعها التاريخي (برنامج الراحل أحمد البوعناني ورمزية الشاعر الذي يبحث عن إلهامه في فيلم “طرفاية، مسيرة شاعر”). من الطبيعي أن تنحت هذه السينما المشتهاة لغة تتحدث عنها بنفس الوعي التاريخي.
والحاصل أن هناك إشكال كبير في إيجاد مصطلحات ملائمة تنطلق من السينما ولا تنبني على اسقاطات (ما أسميه “الإمبريالية المفاهيمية”). وشخصيا عندما أكتب بالعربية أعاني في إيجاد مفاهيم سينمائية للحديث عن السينما داخل الفيلم. المشارقة تجاوزوا هذا الاشكال بممارسة نقد “ادبي” على السينما. “نقد الحدوثة” في مصر. أو بنقل المصطلح دون ترجمته أي كتابته بحروف عربية.
آفة غالبية النقد السينمائي المكتوب بالعربية: الإنشاء.
ليس هناك حديث عن خصوصية اللقطة. أو-مثلا- عن هدا المفهوم المركزي “خارج المجال”
كيف مثلا الحديث عن ثنائية اعتبرها جوهرية في مقاربة متن فيلمي معين وهي المماثلة بين – réalisation- و -mise en scène –
لماذا جوهرية؟ لأنها ثنائية تساعد مثلا في “تصنيف” الاتجاهات السينمائية. أغامر بالقول بأن هناك سينمائيي الإخراج: الصورة، التوضيب… (لخماري، هشام لعسري…)، وهناك سينمائيي “الميزانسين” (أو ما حاولت ترجمته “بمركبي المشهد”): السيناريو، إدارة الممثلين… (حسن بنجلون، هشام جباري…)، وهناك سينمائيين يمزجون في أفلامهم بين الإخراج و”الميزانسين” – تركيب المشهد (فوزي بنسعيدي، حكيم بلعباس…) …مشروع مفتوح …
لقد طلبت في نقاش افتراضي راي بعض الأصدقاء في ترجمة – mise en scène- أثمر ذلك مساهمات قيمة، رفيعة…أفتخر بمساهمة أصدقائي وأحيي حرصهم الأنيق في الرفع من المستوى، وفي نفس الوقت لم أتفجأ بالردود التي لم تتفق على مصطلح يقارب المفهوم.
لنسائل بعض التجارب التي عملت على الترسيخ / الادماج أو اعادة التملك الثقافي للنموذج الهوليوودي الأمريكي الذي أصبح شاملا وكونيا وعملت على دمجه في سياقها الثقافي المجتمعي. وهو حال التجربة الفرنسية ورمزها الثقافي “أندري بزان”
جميل. ولكن الانطلاق من بازان في سياق هذا النقاش هدفه التساؤل حول الأسس الثقافية والمعرفية للنقد السينمائي المغربي. هل المفاهيم مجرد “عُلبة أدوات” عملية، صالحة لكل زمان ومكان خارج السياق الثقافي للفيلم المعني؟ أندريه بازان أنتج خطابه النقدي و «طَوَّر منهجيته” بمرجعيات تتغذى من رصيد ثقافي وفلسفي مستمد من بيئته: بيرجسون، ميرلو-بونتي، سارتر، مالرو…من مرجعية كاثوليكية بمنحى انساني واسع شكلت شخصيته.
والسؤال الذي سكتنا عنه: أين نحن من ذلك؟ أية أسس أبستمولوجيا ينطلق منها تحليل فيلم مغربي…ماهي مرجعيات ما يُكتب حول السينما وما تمَوقعها داخل عمقنا الثقافي.
أزمة الخطاب النقدي جزء من ازمة فكرية عامة سمتها “فِتنة مفهومية” تطرح كأولوية – في مجالنا- ابداع مفاهيم اصيلة وتوطين مفاهيم منقولة.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News