المجتمع

لغة تدريس العلوم : قراءة مقارنة بين المغرب والهند واليابان

يشكل اختيار لغة تدريس العلوم والرياضيات أحد أهم رهانات السياسة اللغوية التربوية، لما له من أثر مباشر على جودة التعلمات وتكافؤ الفرص، وفي سياق المقارنة الدولية، تكشف التجربتان الهندية واليابانية عن نموذجين ناجحين استطاعا الجمع بين ترسيخ الهوية اللغوية الوطنية وتحقيق التميز العلمي والتكنولوجي.

في كل من الهند واليابان، يعتمد تدريس العلوم والرياضيات في التعليم الإعدادي والثانوي على اللغة الأم بوصفها أداة للفهم العميق وبناء التفكير العلمي. فاللغة المحلية ليست عائقا أمام الحداثة، بل وسيلة لتوطين المعرفة.

وتترجم المفاهيم والمصطلحات العلمية داخل البيئة اللغوية الوطنية، مما يضمن إدماجا معرفيا مبكرا للمتعلم تسلسلا منطقيا بين مراحل التعليم الابتدائي والثانوي وبذلك يتم إنتاج معرفة علمية من داخل النسق الثقافي المحلي واستقلالية علمية عن النماذج اللغوية الأجنبيةو بهذا، تتحقق وظيفة المدرسة كمؤسسة لإنتاج المعنى والمعرفة، لا مجرد نقلها من لغات أخرى.

صرحت الاستاذة امال ابومسلم بالسلك الابتدائي بمدينة تمارة ان المتعلم المغربي يواجه صعوبة مزدوجة في تعلم العلوم، ناتجة عن الانتقال المفاجئ من العربية إلى الفرنسية في المرحلة الإعدادية.

هذه الوضعية تؤدي إلى ما يسميه علماء التربية بـ”الحمولة المعرفية الزائدة” حيث يستهلك الجهد الذهني في فك الرموز اللغوية بدل استيعاب البنية المفهومية للمحتوى العلمي.

كما تحدث هذه الازدواجية لا استمرارية بيداغوجية بين الأسلاك الدراسية، وتسهم في توسيع الفجوة بين المتعلمين باختلاف خلفياتهم الاجتماعية واللغوية.وتضيف بقولها :

” التعليم العلمي باللغة الأم يعزز الفهم المفاهيمي أكثر من الحفظ الترجماتي.الاستثمار في مصطلحات علمية عربية دقيقة وتوليدها داخل الأوساط الأكاديمية يغني اللغة ولا يضعفها و تعليم اللغات الأجنبية يجب أن يندرج ضمن استراتيجية دعم الانفتاح العلمي، لا أن يتحول إلى شرط للفهم المعرفي و تكوين المدرسين في الازدواج اللغوي المتوازن يمكن أن يشكل حلا مرحليا نحو نموذج مغربي متدرج في الانتقال اللغوي.

يتطلب الإصلاح الحقيقي إعادة النظر في العلاقة بين اللغة والمنهاج من منطلق بيداغوجي لا سياسي.

فالسؤال التربوي الأساس ليس: بأي لغة ندرس؟ بل ما اللغة التي تضمن أقصى درجات الفهم، والقدرة على التفكير، والإنتاج العلمي المستقبلي؟

إن مسألة لغة تدريس العلوم ليست خيارا لغويا فحسب، بل هي خيار معرفي واستراتيجي يرسم ملامح استقلالية الأمة في إنتاج المعرفة.

الهند واليابان أثبتتا أن اللغة الأم قادرة على حمل العلم الحديث متى توفرت الإرادة المؤسسية والتخطيط البيداغوجي الرصين.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى