السياسة

رئيس مجلس المستشارين : الصحافة قطاع أساسي لبناء الثقة بين المواطن والدولة

كلمة محمد ولد رشيد رئيس مجلس المستشارين في افتتاح اليوم الدراسي حول مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة ننشرها كاملة تعميما لفائدتها:

في البداية أود أن أرحب بكم جميعا في مجلس المستشارين الذي يحتضن هذا اليوم الدراسي، المنظم من طرف إحدى لجانه الدائمة، لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية، حول: “مشروع قانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة”، والذي يأتي فـي سـياق وطني ودولي  يتسم بعمق وتسارع التحولات التي يعرفها حقل الصحافة والإعلام، وبتعدد التحديـات التي تواجهه على مختلف الأصعدة.

ويسعدني بهذه المناسبة أن أتناول الكلمة، في هذه  الجلسة الافتتاحية، لما يكتسيه هذا الموضوع  من أهمية بالغة ولارتباطه بحمايـة أحد أهم الحقوق الإنسانية، ألا وهو الحـق فـي حريـة التعبيـر والصحافـة، الذي يعتبر من الدعائم الأساسية لأي نظام ديمقراطي،  لأنه من دون إعلام حر مسؤول وتعددي ونزيه، تفقد الديمقراطية أهم ركيزة من ركائزها الأساسية، وينتفي حق المواطنين في الوصول إلى المعلومة الدقيقة والموثوقة.

وبناء عليه، لا يجب النظر إلى حرية الصحافة كمجرد حق دستوري، بل هي شرط أساسي لبناء الثقة بين المواطن والدولة، وبين الإعلام والرأي العام، إنها أيضا وسيلة لترسيخ الشفافية، ومحاربة الفساد، ودعم المشاركة المواطِنة، وتحصين المسار الديمقراطي الذي اختاره المغرب بإرادة راسخة ورعاية سامية من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره  الله وأيده.

لقد أكّد دستور المملكة في فصله الثامن والعشرين، على أن حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وأن للجميع الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار بكل حرية، في نطاق احترام القانون وأخلاقيات المهنة. كما التزمت بلادنا، بموجب المواثيق الدولية بحماية حرية الرأي والتعبير وجعلتها في صلب التزاماته الحقوقية والتنموية.

إلا أنه من المسلم به أن هذه الحرية لا يمكن فصلها عن المسؤولية المهنية والأخلاقية، فكلما توسعت مساحات الحرية تزايدت الحاجة إلى ضبطها بالضمير المهني واحترام الحقيقة وحقوق الأفراد والمؤسسات.

ولهذه الغاية، فمنذ 2018  تم إحداث المجلس الوطني للصحافة كآلية مؤسساتية  يفترض أن تجمع بين الحرية والتنظيم الذاتي من جهة، وأن تضمن التوازن بين حق الصحفي في التعبير وحق المواطن في إعلام مهني نزيه من جهة ثانية.

ومما لا شك فيه أن إحداث هذا المجلس شكل محطة مهمة في مسار إصلاح قطاع الصحافة والنشر في بلادنا، على اعتبار أنه هيئة مستقلة للتنظيم الذاتي للمهنة، وآلية من المفروض أن تعكس نضج هذا القطاع وقدرته على تأطير نفسه في إطار من المسؤولية والمحاسبة.

لقد أفرزت التجربة السابقة لهذه المؤسسة عددا من الإشكالات والتحديات والأعطاب التنظيمية والعملية، سواء على مستوى الحكامة أو فيما يخص آليات اتخاذ القرار، وتمثيلية مختلف الفاعلين، وحدود الصلاحيات المسندة إليه قانونًا، وغيرها من الإشكالات الأخرى.

وفي هذا الإطار، برزت الحاجة القصوى إلى تحديث الإطار القانوني المنظم للمجلس ليضطلع بدوره كاملاً في النهوض بأخلاقيات المهنة وتطوير الصحافة الوطنية، وأن يكون فضاءً حقيقيا للتنظيم الذاتي النزيه والمستقل، وآلية مهنيـة للتفاعل المهني المسؤول في إطار الالتـزام الصارم بأخلاقيـات الصحافـة، كما هو متعارف عليها عالميا، لتقويم الممارسة وضمان التوازن بين الحرية والمسؤولية، والتصدي لكل أشكال الانحراف الإعلامي أو التوجيه المصلحي، تحصيــنا لمهنة الصحافة مـن كل ما لا يتطابق مع شـروط ممارستها وأخلاقياتها، وبما سيضمـن الحمايـة الفعليـة للحـق في التعبير، ويعـزز ثقـة المجتمع فـي الصحافة.

وإذ ننوه بهذه المبادرة التي قامت بها لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية قصد الإنصات إلى مختلف الفاعلين في هذا القطاع وكذا المؤسسات الدستورية، فإننا نتمنى صادقين، من خلال هذه المقاربة التشاركية، أن ننجح في إنتاج نص تشريعي ذي جودة عالية، يتدارك النواقص المسجلة، ويكون قادرا على توفيـر جميع الضمانـات القانونيـة والمؤسسـاتية التي سترســخ الاستقلالية والتعدديــة والشــفافية وحكامــة آليــات التنظيــم الذاتــي، وأن يضمــن أيضا في المقابل حمايـة الحـق فـي حريـة التعبيـر والصحافـة؛

وإذ نحتكم بالمناسبة، إلى الأخذ بعين الاعتبار، ما جاء من ملاحظات وتوصيات في الرأيين اللذين أبداهما المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بناء على طلب الرأي الذي توصلت به هاتين المؤسستين من السيد رئيس مجلس النواب، بتاريخ 16 يوليوز 2025، باعتبارهما مؤسستين دستورتين مستقلتين،  ونظرا لما يتضمنه هذين الرأيين من ملاحظات جوهرية وتوصيات هامة يجب الانتباه إليها.

وفي الأخير، لا بد من التذكير بأن تطوير الإطار القانوني المنظم للمجلس الوطني للصحافة لا يمكن أن نفصله عن مشروع أكبر وأوسع،  ألا وهو الإصلاح الحقيقي والشامل لقطاع الإعلام  والاتصال في بلادنا، لأن  هذا المجلس كآلية  لا يجب أن يكون  غاية في حد ذاته، بل هو فقط لبنة  من لبنات أخرى لإرساء دولة القانون والمؤسسات. وخصوصا في ظل وجود إرادةٍ سياسية راسخة، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة نصره الله وأيده، تهدف إلى تعزيز الحق في التعبيـر وحرية الصحافة والتعدديـة الإعلامية وحق المواطنين في المعلومة، وتوطيد أسس التنظيم الذاتي للمهنة، بما ينسجم مع روح دستور المملكة ومع المواثيق الدولية والممارســات الفضلــى التــي تبلــورت فــي مختلــف التجــارب الدوليــة ذات الصلــة بالتنظيــم الذاتــي لمهنــة الصحافــة وفــي مجــال حمايــة حريــة التعبيــر بشــكل عــام.

نتمنى النجاح ليومكم الدراسي هذا، وأن يفضي إلى توصيات قادرة على تعزيـز الانسـجام بيـن نـص المشـروع ومقتضيـات الدســتور والاتفاقيــات الدوليــة  والممارسات الفضلى ذات الصلــة بهذا الموضوع، لتعزيــز قــدرة المجلــس الوطنــي للصحافــة في صيغته المقبلة علــى الاضــطلاع بـدوره كاملا فـي حمايـة ممارسـة حريـة التعبيـر فـي مجـال الصحافـة والنشـر، وضمــان الالتزام بأخلاقيات المهنة بكل استقلالية وتجرد ونزاهة، لأنها من الشروط الأساسية لحماية هذه الحرية وضمـان الحـق فـي إعـلام حـر ومتعـدد ونزيه.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى