السياسة

الوافي : مشروع قانون مجلس الصحافة يلغي جوهر استقلال المهنة ويقصي الفاعل النقابي ..

نقدم كلمة الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال – الاتحاد المغربي للشغل، التي ألقاها رئيس الجامعة محمد الوافي في  اليوم الدراسي لتدارس مضامين مشروع القانون 26.25 يتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة – مجلس المستشارين

أود بداية أن أعبر عن تقديرنا الكبير لمجهودات لجنة التعليم والشؤون الثقافية بمجلس المستشارين على تنظيمها هذا اليوم الدراسي لمشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وهو مشروع يمس قلب المهنة الصحفية ويطال بنيتها الأخلاقية والمؤسساتية.

لكننا، في المقابل، نجد أنفسنا أمام نص يثير قلقا مشروعا، لأنه بدل أن يعزز استقلالية المجلس وفعاليته، يكرس من جديد منطق التبعية الإدارية والرأسمالية، ويضعف دور التنظيمات المهنية التي من مهامها الأساسية تأطير الجسم الصحافي والدفاع عن استقلاليته، ومن هذا المنطلق فقد قمنا كجامعة بدورنا وقدمنا مذكرات ومرافعات في سبيل تجويد هذا النص، سأحاول أن أبسط بعض محاورها.

قبل البدأ:

نعتبر في الجامعة أن مداخلتنا، تتكامل مع مداخلة إخواننا في الهيئات والتنظيمات المهنية الرافضة للمشروع بصيغته الحالية. ولهذا ستقتصر مداخلتنا على إضافة نقط لم تذكر، أو لم يتم توضيحها بما يكفي.

لا بد لأي قانون يستحق أن نصفه بهذا الوصف، من ديباجة تمهد لفلسفته وأهدافه وماهيته وحدود تأثيره. لهذا نقترح ديباجة لهذا المشروع، سنسلمها للجنتكم الموقرة عبر فريق الاتحاد المغربي للشغل في مجلسكم الموقر. كما سنسلم لإخواننا في الفريق مدكرة مفصلة عن بقية التعديلات والملاحظات والإشكاليات.

أولا، في طبيعة المجلس واستقلاليته

إن النقطة الجوهرية التي تفرض نفسها اليوم هي تحديد الطبيعة القانونية للمجلس. فالمشروع لم يحسم بوضوح فيما إذا كان المجلس شخصا من أشخاص القانون العام يتمتع بالاستقلال الإداري والمالي أم مجرد هيئة إدارية تحت وصاية الحكومة.

والحقيقة أن هذه المسألة ليست تفصيلا قانونيا، بل مدخلا تنظيميا، بل هي جوهر استقلال المهنة.

في التجارب المقاربة، سواء في ألمانيا أو في النموذج التونسي على سبيل المثال، تم التنصيص صراحة على الطبيعة العمومية للمجالس المماثلة، باعتبارها مؤسسات تنظيمية مستقلة تشارك الدولة في تنظيم المهنة لا أن تكون تابعة لها.

لذلك، فإننا نعتبر أن التنصيص الصريح على هذه الطبيعة في المادة الأولى من المشروع أمر حيوي لضمان استقلال القرار التأديبي والمهني، وتحصين المجلس من أي ضغط أو تدخل إداري أو سياسي.

ثانيا، في نظام الاقتراع وضرب التمثيلية النقابية

من بين أكبر نقاط الضعف في هذا المشروع، هو الإصرار على الإبقاء على نظام الاقتراع الفردي بدل الاقتراع باللائحة النقابية المهنية.

هذا الاختيار، في جوهره يفرغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي، ويقصي التنظيمات النقابية الأكثر تمثيلية، في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون هذه التنظيمات رافعة للتأطير والدفاع عن المهنية والأخلاقيات.

إن الفصل الثامن من الدستور واضح لا لبس فيه، حين يؤكد أن النقابات تساهم في تأطير العاملين وتمثيلهم والمشاركة في إعداد السياسات العمومية.

فكيف يعقل أن تشرع الحكومة نصا ينسف هذه الوظيفة الدستورية ويقصي الفاعل النقابي من أهم مؤسسة تمثيلية في القطاع؟

والأدهى من ذلك أن هذا التوجه يتناقض مع الخطاب الملكي السامي الأخير الذي استمعتم إليه في افتتاح الدورة التشريعية، والذي دعا بكل وضوح إلى مسؤولية مختلف التنظيمات نظرا لأدوارها ومسؤوليتها في التأطير، مذكرا بأن ضعف التأطير يسائلنا جميعا، دولة ومجتمعا ومؤسسات.

فكيف نسأل عن غياب التأطير والحكومة نفسها تقنن نصا يغيب التنظيمات التي خولت دستوريا هذا الدور؟ كيف نسائل النقابات عن مسؤولياتها، ونحن نحرمها من ممارسة دورها في الحضور في مؤسسة مهنية أنشئت أساسا لضبط الممارسة الصحفية وتأطيرها؟

إن هذا التناقض، السيدات والسادة، يجعلنا ويجعلكم ندير ظهورنا لمضامين الخطاب الملكي، ونحول مبدأ الديمقراطية التمثيلية، إلى شعار بلا مضمون.

ومن هذا المنطلق أيضا، فإننا نطالب باعتماد نظام الاقتراع باللائحة النقابية، باعتباره السبيل الوحيد لضمان تمثيلية عادلة، وتعددية حقيقية، وحماية الحياة المهنية من الإنقسام الفردي الذي يضعف المؤسسات بدل أن يقويها.

ثالثا، في وضعية الموارد البشرية والاختلال التنظيمي

السيدات والسادة، من غير المقبول بتاتا ونحن في ظل مسار اجتماعي أطلقه جلالة الملك ويفترض أن تعمل السلطة التنفيذية والتشريعية على تنزيله تنزيلا ناجحا، أن نتناقض معه من خلال تكريس وضع هش يعيشه مستخدمو هذا المجلس، فغياب نظام أساسي يضمن علاقات شغلية متوازنة بين إدارة المجلس، وأطر مفروض فيهم تنزيل استراتيجية وطنية لقطاع الصحافة، أمر لا يمكن القبول به. إن هذه الهشاشة كانت المدخل الذي أدى إلى قطع أرزاق مجموعة من المستخدمين، من بينهم ثلاثة شبان طردوا من عملهم لمجرد انتماءهم النقابي.

وعلى هذا الأساس، نرى أنه من غير المقبول كذلك، أن نسمح بالسكوت على المادة 64 من المشروع، إذ أنها جاءت ضبابية فيما يخص الوضعية القانونية لمستخدمي المجلس، في ظل الرغبة المعبر عنها في النهوض بالحكامة وعن بناء مؤسسة قوية. لذلك نطالب بنص صريح يلزم بإحداث نظام أساسي خاص بموظفي المجلس حتى نضمن الاستقرار والسلم الاجتماعيين، ونضمن توازنا بين السلطة والمسؤولية داخل المؤسسة.

رابعا، في التداعيات والمآلات.

إننا لا نتحدث عن فصول قانونية فقط، بل عن مستقبل مهن الصحافة في بلادنا.

فمجلس وطني للصحافة يفرغ من استقلاليته، ويقصى منه الفاعل النقابي، ويترك فيه العاملون دون نظام أساسي واضح، لن يكون مجلسا قادرا على حماية المهنة ولا الدفاع عن أخلاقيتها.

إننا نحتاج إلى مجلس يعيد الثقة بين الصحافي والمجتمع، ويجعل من الأخلاقيات قاعدة لا شعارا، ومن الاستقلالية واقعا لا ترفا قانونيا.

وفي هذا نتفق مع ما جاءت به بعض المذكرات التي ما فتئت تدافع عن المشروع من زاوية حماية المقاولة الصحافية والارتقاء بها، لأنه ليس هناك إنسان عاقل يقبل أن يعيش أو يشتغل في مهنة تعيش العجز، لكنه في نفس الوقت، لا يقبل أن يخضع لمؤسسة لا تجسد استقلالية التي لطالما ناضلت من أجلها أجيال من الإعلاميين، لذلك فللقائلين بأن هذا القانون أجاب عن إشكاليات وأرقام صادرة عن المجلس، نؤكد بأن الإجابة على تلك الإشكاليات والأرقام ليست في هذا القانون، بل في نصوص أخرى.

إن مسؤوليتنا اليوم ليست فقط مناقشة مواد القانون، بل مناقشة مستقبل سلطة رابعة هي ضمير المجتمع وصمام أمان الديمقراطية،

نؤكد لكم أننا نريد مجلسا وطنيا للصحافة لا يخضع لإملاءات، ولا يعيش في ظل وصاية، … بل يمارس صلاحياته باستقلالية ومسؤولية، على أساس أن الحرية لا تفهم إلا مقرونة بالمحاسبة، وأن التنظيم لا يكون إلا بالتعددية والتمثيلية المتوازنة.

إننا نخاطبكم اليوم بلسان من يسعى إلى البناء لا الهدم، ومن يؤمن بالشراكة لا بالمواجهة.

ونلتمس منكم في الأخير العمل على تعديل هذا النص، ليس لأننا نرفض مضامينه فقط، بل لأننا نريده أقوى وأعدل وأصدق في خدمة المهنة والمهنيين والوطن.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى