أكادير اليوم

“المحنطون” داخل المغرب الصاعد: طرفي نقيض وسط واقع متغير..

  • بقلم امحمد القاضي//

صراع الأجيال generation gap أو ما يسطلح عليه في علم الأنتوبولوجية من جهة أخرى بالصدمة الثقافية Culture Shock.

رغم أن المفهومان قد يكونا متباعدين في الظاهر، إلا أنهما متلازمان في الجوهر وخاصة حين نربطهما بالنظرة للوجود وطرق تدبير الأمور وتنزيل المعارف.

الفرق بين الأجيال ابعد من أن يكون مجرد أرقام وأعمار، والصدمة الثقافية ليست مجرد الشعور بالإرتباك عند تغيير مناخ مألوف وبيئة روتينية او عند الإنتقال للعيش في اوساط ثقافية مختلفة.

بل الصدمة في سلوك التعصب والإدعاء بإمتلاك الحقيقة المطلقة وعدم القدرة على مسايرة المبادرات المبتكرة، والإنصهار في الأفكار الجديدة، وضعف المؤهلات الشخصية ونقص في مهارات التواصل لتدويب الخلافات وتجاوز الحساسيات والحسابات الضيقة.

هؤلاء “المحنطون” من المسؤولين المحليين تربكهم الصدمات وهذا الإنتقال الجيلي غالبا ما لا يستطيع أغلبهم إمتصاص صدماته والتأقم معه، مما يخلق عندهم نفور وإبتعاد عن محيطهم وإحساس بعدم الإنتماء، فيعيشون في عزلة إجتماعية وتباعد عن الناس ويخلق بينهم وبين الآخرين مسافة فارقة واحتياط وسلوك حذر. كما تبدو عليهم توجسات وإحساس بالخوف مما يجعلهم يتسلحون ويصنعون بينهم وبين الآخرين متارس وقائية وحواجز مانعة للإندماج والإنصهار في ثقافة مغامرة.

كما يبرهنون عن عدم قدرتهم المغامرة للخروج من منطقة الراحة la zone du confort. وقد تكون هذه المنطقة تجلب لهم مكاسب مادية ويخشون إفتقادها أو لمجرد انهم لا يملكون أدوات وإستراتيجية التعامل مع المتغيرات لأن اغلبهم مسيرون وخاضعين لأولي نعمتهم.

فكلما حاولت الثقافة المضيفة والوعي الجديد التقرب إليهم لإحتضانهم للعمل سويا، كلما إزدادوا في تقوية أسلحتهم الرادعة، وزادوا من توسيع المسافة الفاصلة بين قدراتهم الشخصية في التحول وصلابة عقليتهم المحنطة المنتمية للأزمنة البائدة.

عند بلوغ هذا المستوى من الفشل في الإندماج على الشخص أن يعي أن الزمن إنقلب، وان عقليته وطريقة تفكيره ونمط عيشه وأسلوب حياته اصبح متجاوزا، لانه هرم وكبر في بيئة راكدة لا تستوعب التغيير وغير قادرة على البناء وعاجزة على الإبداع. ولم يعد يمتلك سوى الوسائل البيروقراطية لفرملة التغيير والإستعانة بزبانيته القبلية للتصدي للمبادرات الخلاقة.

كما أن المحنط فكريا لا يمتلك المؤهلات الكافية للإنصهار والتأقلم مع التحولات الجديدة. وذلك بعد أن هدر وقتا ثمينا وظل جامدا دون مراعات التكوين الشخصي والتنمية الذاتية وبناء وعي متجدد وتطوير قدراته التفاوضية والإستعابية للتغيرات المجتمعية الحاصلة في زمن متحرك وبلد صاعد يحمل دينامية مجتمعية شبابية متفاعلة. لقد أصبحوا أناس مجمدين يعيشون داخل تابوت متحرك!!

قصتهم كقصة أهل الكهف، ظلوا نوام غارقين في سبات عميق لسنوات عديدة غير معدودة تحت تخدير نشوة المنصب، وإستفاقوا مؤخرا على مغرب مغاير بدينامية جديدة، ففقدوا التوازن النفسي والبوصلة الزمنية، ولم يستطيعوا مسايرة سرعة تفاعل وعقلية جيل التكنولوجيا الجديد.

فإذا نظرنا حولنا نجد وجوه سياسية تنتمي للعصر الحجري تعيش فراغا معنويا مازالت على رأس بعض الأحزاب والنقابات والمؤسسات الحساسة وتتحمل مسؤوليات متقدمة سواء على الصعيد الوطني أو المحلي. ومنهم من يحلم بالخلود في الموقع بل وله أطماع تحمل حقائب وزارية بحكومة المونديال، ولو بعد أن خرج منها “مهزوما ومكسور الوجدان” كما تقول اغنية “قارئة الفنجان”؛ ومنهم من يعض على الكرسي بالنواجذ، كأن أمهات المغاربة أصبن بالعقم أو المؤسسات الأكاديمية والتنشئة الإجتماعية لم تعد تكون طاقات واطر شابة مؤهلة قادرة على التناوب وتمتلك ثقافة الفكر الإنساني الحر.

المؤسف في هذه الحالات حين لا يعي الشخص بالتحولات المحيطة به ويظل محصن بأدرع الماضوية، داخل بنية ذهنية نوستالجية مريضة، مدافع عن توجهه المتجاوز الذي غالبا ما يضعه في مواقف مخجلة يتخذ فيها قرارات عقيمة متشبتا بأفكاره المتخشبة، ظانا أنه على صواب و”قافز”، ولاعلما فوق إدراكه، غير واع أنه فوق ذي علم عليم.

فأين المفر؟ لا هو قابل للتغيير ولا أفكاره قابلة للتبني. المسألة بسيطة، الطبيعة لا تقبل الجمود والفراغ، وسيرورة الحياة تحكم علينا إما إمتطاء قطار التغيير والإستمرار في سفينة التحولات، أو النزول عند أقرب محطة. لأن مسؤولية قيادة السفينة، كمثال على قيادة شؤون الناس محليا، لا يمكن ان تبحر وتسير بتوجيهات متناقضة وعلى طرفي نقيض.

قبطان محنط متعنت، الف الإئتمار بأوامر غيره، يبحر في إتجاه أمواج عاتية قاتلة، في مواجهة ركاب برغبات وتطلعات معقولة وإنتظارات متجددة وتجربة رائدة، وإلا فالغرق مصير السفينة قبل أن تبلغ بر الأمان. ولن يبقى لهؤلاء المسؤولين الماضويين سوى الإختيار بين الخروج “المشرف” عن طواعية من الباب الواسع، أو إرغامهم على المغادرة بإهانة من النافذة الضيقة. اللهم لا شماتة.

الحراك الشبابي الأخير العفوي والسلمي ليس بنابع من الهوة بين الأجيال بقدرما هو صراع ثقافتين متناقضتين وبنيتين عقليتين على طرفي نقيض. البنية الأولى قديمة متحجرة، منغلقة، خانعة ومطبعة مع الفساد تعتمد أدوات تقليدية متجاوزة. والبنية الثانية صاعدة، منفتحة، مستقلة، وطامحة للتغيير تعتمد أساليب أكثر حداثة. عند إلتقائهما يحدث التصادم، لعدم قدرة العقلية التقليدية إحتواء أفكار العقلية المتجددة.

العمل الجمعوي الميداني كثيرا ما يواجه تحديات وعراقيل مصدرها نفس العقليتين.

في آخر المطاف، من ضربته يداه، فلا يبكي. نحن من ساهم في هذا الوضع المزري. نحن شعب لم يستطع أن يضع القمامة في مكانها في الشارع العام، فكيف له أن يختار ويضع الشخص المناسب في المنصب المناسب حرصا على الصالح العام.

  • رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى