المجتمع

الحراك الشبابي بين الطموح النضالي ولحظات الرومانسية السياسية

  • بقلم امحمد القاضي//

تعاطف وتفاعل بشكل إيجابي كل مكونات المجتمع المغربي في ظرف وجيز مع حراك شباب جيل المواقع الإفتراضية السلمي، وجشب الجميع الجانب الهمجي والوحشي والعنيف الذي تم فيه الاعتداء اللامسؤول على بعض المتاجر ومراكز الأمن وتخريب الممتلكات العمومية. رغم أن محركي التظاهرات الشبابية تبرؤوا من أعمال الشغب التي عرفتها بعض المدن

السؤال المطروح: هل جيل العالم الإفتراضي يشكل فعلا بديلا لتطلعات المغاربة، أم أننا سقطنا في مدح الجيل ونعيش رومانسية اللحظة؟

في الحقيقة الإحتقان المجتمعي عرفه مداه هذه السنوات الأخيرة مع تراكم عدة عوامل منها الغلاء الفاحش، قلة فرص الشغل، تدني الخدمات العمومية خاصة في مجالي الصحة والتعليم، وتزايد مظاهر الفساد عند المسؤولين، وتماطل الجهات الوصية في الإستحابة للمطالب القطاعية وغيرها. وما زاد الطين بلة ضعف مهارة التواصل وعجرفة بعض المسؤولين السامين في خطاباتهم المباشرة مع وسائل الإعلام. مما أجج الإحتقان وتم تصريفه على شكل خرجات شعبية في عدة مدن للمطالبة بالإصلاح.

من المؤسف ان تتدحرج الخرجات بين العنف والسلمية. لكن مطالب الشباب المتمثلة في تجويد خدمات التعليم العمومي والصحة كحق لكل مواطن، وتوفير فرص الشغل والعيش الكريم ومكافحة الفساد. مطالب مشروعة لن يتناطح عنها كبشان.

بالنظر لأعمار جيل “زيد” التي تتراوح مابين 15 و 28 سنة، اول جيل نشأ بالكامل في العصر الرقمي. كان من المفروض أن ينادي بمطالب تتناسب أعمارهم مثل المطالبة بتوسيع هوامش الحريات الفردية، مكاسب حقوقية، توفير وتجهيز فضاءات الشباب، توفير الولوج للانترنت في المرافق العمومية بالمجان، توفير ملاعب القرب والمرافق الرياضية، والحق في الشغل، الحق في المشاركة السياسية، ولوج مناصب المسؤولية الحزبية والإدارية، إمتيازات شبابية في النقل العمومي والقروض الصغرى، والدعم العمومي للمقاولين الشباب وتبسيط مساطر المقاولات الصغرى وغيرها.

أن يطالب شاب عشريني في المجال الحضري بتحسين الخدمات بالصحة العمومية وهو ربما لم يلج بعد دهاليز المستشفيات العمومية، ولم يعاني من عدم توفر ممرض، أو طبيب ولا سيارة إسعاف في ابعد مستوصف القريب من قريته في الجبال، فتحية لهذا الهم المشترك.

أن ينادي شباب في مقتبل العمر بتجويد التعليم العمومي، وأغلبهم على مايبدو منحدرين من المدن ومن عائلات متوسطة، ولم يجربوا العيش في القفار والمشي لمسافة جبلية للقاء النقل المدرسي، أو الظروف المناخية والمعيشية القاسية بالجبال، إضافة إلى ظروف التغذية والإيواء ببعض دور الطالب(ة). وإلى وقت قريب كان بعض التلاميذ يعتبرون الغش في الإمتحانات الإشهادية حق مكتسب، وعانى معهم جل الأساتذة لتدني أخلاقهم داخل القسم. فهذا وعي تضامني محترم.

أن تطالب بالحق في الشغل كشاب فهو مطلب وحق مشروع، أن تنادي بمكافحة الفساد ومحاكمة ومعاقبة المفسدين وناهبي المال العام من ابسط درجات المسؤولية لأعلاها، فهذا مطلب شعبي معقول مرتبط بربط المسؤولية بالمحاسبة كما تنادي بها كل قوانين البلد.

نحن نعلم ان ما يجري في المنظومة الصحية والتعليمية ومجالات أخرى تخلت عنها الدولة تدريجيا، نتيجة إملاءات خارجية وصناديق التمويل. إذ بدأت الخوصصة في عهد الحكومة التي قادتها الفريق الاشتراكي، بلغت ماداها مع التخلي عن صندوق المقاصة، وتحرير أسعار المحروقات والإحهاض على مكاسب أخرى مثل التقاعد وسن العمل بالعقدة في عهد الحكومة ذات المرجعية الإسلامية، حيث قال وزير التعليم آنذاك، ما مفاده: ” اللي بغا يقري ولادوا، إضرب إيدو الجيبو.” وعن احدهم: “،لقد حان الوقت لترفع الدولة يدها عن التعليم والصحة.” وها نحن نجني النتائج.

مطالب الشباب تنم عن روح الوطنية وضمير جمعي مسؤول. حراك الشباب صرخة في وجه التهميش والإقصاء بصوت كل المغاربة الذين يعانون من ضعف الخدمات العمومية. جاءت لتدق ناقوس الخطر بعد التمادي  في تغييب التأطير وضعف آليات التواصل وتردي الخدمات العمومية والنتائج الميدانية الإجتماعية.

لكن المطالب تحمل بعض المتناقضات، بغض النظر عن المطالب التي تتجاوز أعمارهم وتجاربهم الحياتية، تنم عن ضعف التكوين النضالي والتجربة الميدانية والتأطير المعرفي والحزبي والنقابي اللذان تهاونت الأحزاب والتقابات والجمعيات في الإهتمام بها وافرغوا الساحة من التأطير الشبابي والتواصل التشاركي حول البرامج والمؤسسات.

أن ترفع سقف المطالب بإسقاط الحكومة وحل البرلمان ومقاطعة منتوجات بعض الشركات الوطنية، لربما زاغت المطالب عن خطها المطلبي المعقول.

بعيدا عن رومانسية اللحظة والأنانية المرحلية، كان من الأجدى بالموجة الشبابية أن تحمل مشعل التوعية السياسية وتنادي بالتغيير السياسي وتقييم نتائج المجالس المنتخبة، والمشاركة الإنتخابية لقطع الطريق على تجار الإنتخابات وإستعمال المال في شراء الدمم، وإبعاد الاعيان عن الإنتخابات، وسماسرة الصناديق وخفافيش الظلام الذين قد يتربصون بنا في الاستحقاقات القادمة.

لا مفر من البديل الديمقراطي التشاركي والاسلوب الحضاري المسؤول في الحوار والتفاوض، والإنصات لنبض المجتمع ومراجعة أساليب التواصل وفتح قنوات وجسور الإتصال مع مكونات المجتمع المغربي في الجبال والسهول والحواضر.

العديد من الأبواق المسخرة، والوجوه المألوفة والمعروفة بالإنقضاض على الفرائس في اللحظات الأخيرة، لربما بدأت تخرج للعلن وتسوق نفسها كالبديل المنتظر، وتستعد للركوب على الأمواج وإستغلال مطالب الشباب وتوظيفها إنتخابيا لنيل مكاسب وحقائب ومناصب لا من أجل التغيير، بل للظفر بحقها في الكعكة وسنعيد المأساة ونهدر الزمن التنموي كما هدرناه منذ الحراك الديمقراطي في 2011.

أستأجر هنا مقولة دوستويفسكي لأن الأدب الروسي ابدع في تشخيص الأوضاع ووصف الشخصيات: “لقد هُزمنا مِن مَن كُنا نظن بهم خيرًا …. لم تأتِ هزائمنا أبدًا من الأعداء ..”

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى