الرأيالسياسة

متى سيستفيق الضمير الجمعي لذى المسؤول المحلي ذو القناع المكيافيلي المنتمي لجيل “ه”؟

  • بقلم امحمد القاضي//

إنتظر المهتمون بالشأن المحلي وكافة المغاربة الخطاب الملكي بمناسبة إفتتاح الدورة الأخيرة التشريعية من الولاية الحكومية الحالية، وخاصة انه يأتي في ظروف إختقان مجتمعي وحراك شبابي يحمل شعارات تحسين الخدمات العمومية وخاصة في ميدان التعليم والصحة حيث من المؤسف ان يتواجد 14.000 طبيب مغربي باوروبا وفرنسا خاصة والوطن بحاجة 3000 طبيب سنويا حسب تقارير دولية.

ومن بين مطالب جيل “زيد” مكافحة الفساد، أحد أهم عوائق التنمية بالبلاد وربط المسؤولية بالمحاسبة، فمن “عمل مثقال ذرة خيرا يراه، ومن عمل مثقال ذرة شرا يراه”.

التعليمات الملكية التي تتقاطع على الدوام مع الإنتظارات الشعبية. كانت إشارات قوية للمسؤولين. الخطاب الملكية تعتبر توجيهات سامية كافية لتنضاف كخطط الطريق والرؤية الإستراتيجية لتنزيل المخططات المجالية من أجل تسريع التنمية المحلية وتدويب الفوارق المجالية وخاصة بالمغرب العميق.

على ما يبدو أن بعض المسؤولين المحليين بالمغرب العميق وخاصة بجهة سوس لم يستوعبوا بعد الرسائل الملكية سواء منها المباشرة والمشفرة، للنهوض بالتنمية الترابية والعمل على تجاوز الإكراهات المحلية والإختلالات الإجتماعية.

من المؤسف أن الإنتخابات المحلية كثيرا ما تفرز لنا خاصة بمناطق سوس، كائنات إنتخابوية عششت في المناصب لعقود دون جدوى وأصبحت تشكل طبقة أوريغالشية إنتخابية تستفيد من الريع الإنتخابي وتقطف تمار التعويضات عن “الأتعاب” والتنقل وغيرها من الإمتيازات المعنوية في إستنزاف حاد للمالية المحلية دون أن تحقق مكاسب وينعكس ذلك على المواطن ميدانيا في إطار مشاريع تنموية لتحسين ظروف معيشه اليومي.

تموقع وإستمرار بعض المسؤولين المحليين في مناصب القرار، أصبح عبئا على رقاب الساكنة بخطابهم الإستفزازي وتصرفاتهم اللامسؤولة والجشعة وتجاهلهم لمطالب الساكنة حتى خلقوا جيل يلهث وراء الإمتيازات ويتهافت على تجميع عدة مسؤوليات في يد واحدة، ويستغل المناصب لقضاء مآرب شخصية.

أشخاص متمرنون في إفتعال العراقيل ومتمرسون في لغة الخشب والتسويف للوقوف في وجه المبادرات التنموية الجمعوية. طبقة بعقلية متحجرة ومتشبعة عن غير وعي بالفكر الميكيافيلي machiavélisme حيث الغاية تبرر الوسيلة وتوظيف المكر والخداع وإزدواجية الخطاب والمواقف للتغطية على الإنتكاسات والإخفاقات الميدانية.

وخلق بذلك جيل “ه” (الهاء)، كما وصفه احد المحللين، فئة تتميز بثقافة “الهريف” و”الهمزة” و”الهوتة”. لكن عند ربط المسؤولية بالمحاسبة لن تنفعه “الهربة” إذ مقعد بغرفة “عكاشة” (حيث تشكل فريق برلماني لكثرة الموقوفين والمتابعين) سينتظر “الهركاوة” ممن ثبت في حقه التلاعب بمصالح المواطنين وسوء تدبير أوسولت له نفسه مد يده خلسة للمال العام.

جيل “ه” شكل فئة كليبتوقراطية (kleptocrcy) من الفاسدين طبعت مع الفساد عبر التراب الوطني والمناطق النائية يقتاتون من فقر ومعانات الفئة الهشة في غياب تام لوخز الضمير. تسيدوا المشهد ظانين انهم يؤطرون الرأي العام المحلي.

هذه الفئة تسير بمنطق الغنيمة، وبمسايرتها لعقلية الجشع الإقتصادي وإستغلال المناصب لقضاء مآرب شخصية كأولياتها نسفت بذلك ثقافة “المعقول” و “أغراس اغراس” وأخلاق الثقة ونعمة القناعة التي شكلت على الدوام عملة العنصر الأمازيغي وثقافة المعاملات وسلوك أهل سوس في الواقع والمخيال الشعبي الوطني.

الضمير الجمعي والوعي الجماعي بتمازيرت وحد قبائل عند القضايا الكبرى وشكل الهم المشترك لذى الساكنة في عمليات تضامنية “تيويزي” على إمتداد جبال سوس منذ القدم. هذا الوعي القديم الذي حدده عالم الإجتماع الفرنسي الحديث إيميل دوركايم Émile Durkheim كقوة موحدة ومواقف أخلاقية ذات طابع مستمر ومبادرات إجتماعية مستمرة. هذا الوعي هو الضامن للثقة المفقودة بين المنتخب والمواطن.

كان من المفروض أن تعكس نتائج صناديق الإقتراع بجبال سوس نخبة تحمل هذا الضمير الجيني بأدرار، لكن للأسف تنتج طبقة محتكرة للمناصب مستغلة أمية وقلة الوعي السياسي عند الساكنة وعزوف الشباب والنخبة المثقفة عن المشاركة السياسية لخلق التغيير المنتظر. بلغ ببعضهم جهلهم الإدعاء أحيانا ان قوة إلاهية فوقية قدرت إستمرارهم بتولي المناصب!

إشارات واضحة في الخطاب الملكي كافية لصحوة الضمير وتحقيق العدالة الإجتماعية داخل المغرب الصاعد مثل: “إعادة النظر في تنمية المناطق الجبلية التي تغطي 30% من التراب الوطني.” وأن “العدالة الإجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست مجرد شعار فارغ، أو أولوية مرحلية، إنما توجه إستراتيجي يجب على جميع الفاعلين الإنخراط فيه …. ويتطلب ذلك تغيير ملموس في العقليات وفي طريقة العمل وترسيخ حقيقي لثقافة النتائج… “.

تجربة جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لايت عبد الله الفتية جعلتنا نحتك ببعض المسؤولين وكائنات إنتخابوية تثقن خطاب التسويف والمراوغة وإفتعال العراقيل وإزدواحية الخطاب تقف سدا منيعا في وجه المبادرات الجمعوية بهاجس الحفاظ على المكاسب وبتخوفات واهية.

الطامة الآن أمام الخطاب الملكي الأخير، هو إذا إستفاق ضميرهم اليوم، فهل كان لزاما الإنتظار الإشارات المولوية لصحوة الضمير الجمعي للقيام بالمسؤولية والواجب تجاه المواطن؟ وإذا إستمرت نفس الممارسات والنهج التسييري العقيم في المستقبل رغم قصر المدة المتبقية في الولاية الإنتخابية المحلية التي لا تتجاوز 23 شهر، كمدة قروض الأبناء القصيرة للإستهلاك ومدة ضمان التجهيزات المنزلية، فقد أصبحت الطامة طامتين!

في الحقيقة، ماذا عساهم أن يغيروا في هذا الظرف الوجيز بعد عقم وغياب طال لعقود؟

كما تقول الأغنية الشعبية لجيل جلالة أيام الزمن الجميل: “إلا ما هزك ريح البارح، كيف إهزك ريح اليوم.”

وغنى بفس النفس المغني الأمريكي دو الصيت العالمي بوب ديلان Bob Dylan في ستينات القرن الماضي :

How many ears must one man have, before he can hear people cry
The answer my friend is blowing in the wind”.

بمعنى تقريبي: “كم من آذان صاغية، يجب للشخص التوفر عليها حتى يصغي لبكاء الناس، الجواب صديقي في مهب الريح.”

“راه عليك الهضرة آ السي”، من قابلك بحسن نية ووضع ثقته فيك فكن عند حسن الظن ولا تظن أننا غافلون. كما يقول المثل الشائع: من أعطاك عينيه، لا تجازيه بالعمى.

خلاصة القول، المواطن السوسي شخص صبور بطباع حادة وقوي الشخصية، يحمل من الكرامة ما تحمل رآتاه من هواء التنفس، قد يتناسى ويتجاوز في بعض الظروف وتحت بعض الضغوطات، لكن ذاكرته الجماعية لا تنسى، تختزن الوقائع وتراكم الأحداث فلا مجال لتضبيعه وتبضيعه.
ولا اجد أفضل من بيت الشاعر المتنبي لاختم به:

جرح بظهر الخيل تحت السرج متداري

لا الخيل تشكي ولا الخيال داري.

*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى