
يوسف يا صديقي، لن يركب أبنائنا القطار!
- د.خالد ألعيوض //
حضرت معرض الكتاب بالرباط، وطيلة الخمسة أيام التي قضيتها جيئة وذهابا من المحمدية عبر القطار وأنا السوسي الآتي من فضاء لا قطار فيه أن الحياة سهلة وأن التنقل رحمة مقارنة مع ما أعرف، عادت بي الذاكرة إلى جبال الأطلس الكبير، عندما كنت أصعد إلى تفنوت في رحلة صعبة، أعقبت زلزال الأطلس الكبير و لاحظت أن الناس أي عموم الشعب لا وسيلة لهم للتنقل إلا سيارات فورد ترانزيت قاهرة الجبل، وسائقون محترفون، يسميهم العامة الخطافة، في حين أطلق عليهم حكيم فلاحي سوس الحاج علي قيوح اسم “العتاقة”، لما يسدونه من خدمات جليلة في غياب أية وسيلة أخرى.
هنا يعرف الجميع تقنيات الصعود إلى سطح السيارة والاستمتاع بمناظر الجبل ووديانه رغم أن الركوب بهذه الطريقة مغامرة في حد ذاتها، أي خطأ من السائق معناه العشرات من الضحايا، هذا واقعنا اليوم في القرن الواحد والعشرين.
دخل القطار المغرب مع اليوطي الذي قسمنا إلى جزء نافع وغير نافع لا يستحق أدنى استثمار، صحيح أننا قاومناه بشدة ولم نتركه يطأ جبالنا خاصة جزولة إلا بعد 1934 عند إستسلام صاحب مقولة “إتما القرطاس إتما ووال” الشهيرة الحاج عبد الله زاكور كوعبلا.
سنة 1976 بعد شق الطريق الرابط بين مراكش وأكادير إستبشر السوسيون خيرا، طريق ميسرة أرحم من طريق الصويرة ذات المنعرجات الصعبة ولعل طابوكا تظل منعرجات عالقة في أدهان السائقين خصوصا حافلات ايت مزال الشهيرة التي كان لها الفضل في هجرة ابناء سوس نحو الغرب، ومن تم تحقيق الرقي الاجتماعي عبر كسب المال عن طريق التجارة.
واتربوري في كتابه “رحلة إلى الشمال” أعطي تفاصيل كثيرة عن هذه الرحلات وكيف تحولت من المشي على الأقدام لمدد تتجاوز الثلاثة أشهر إلى أولى الحافلات في الثلاثينات في طرق وعرة وغير معبدة تستغرق الرحلة خلالها يوم وليلة، تقلصت المدة اليوم إلى 5 ساعات بعد افتتاح الطريق السيار مراكش أكادير إلى هنا تحسن لا بأس به، لكن لماذا لم يصل القطار.
سمعنا بدراسة أولى أواسط السبعينات يومها قيل بأن القطار سيمر عبر تيزي نتاس، تارودانت فأكادير وكان مقرراً أن يمر من أوناين، يومها كان الراحل بول باسكون رائد علم الاجتماع القروي والخبير بعادات المغرب وتقاليده، بحدسه الأكاديمي قال إذا مر القطار من أوناين التي لا زالت تعيش على إيقاعات قرون خلت، فلاحة مسقية تعتمد على العيون واقتصاد جبلي مستقل عن المدينة ينتج كل ما يحتاجه وطرق تدبير ضاربة في القدم والطاحونة المائية لا زالت توفر الدقيقة للساكنة بإيقاعها البطيء لكن المنسجم مع الواقع.
إذا مر القطار يقول باسكون سيتغير كل شيء بسرعة فائقة فقرر الإشتغال لمعرفة التحولات التي قد تحدث، توفي باسكون في الحادثة المؤلمة الشهيرة بموريطانيا، ولم يمر القطار لكن مريديه ومحبيه وعلى رأسهم الطوزي ومهدي وآخرون أسسوا جمعية تاركة، وللإشارة هناك قرية في أوناين تسمى “تاما ن تركا” أو العيون أو السواقي الثمانية ليؤسسوا لتجربة فريدة في تنمية منطقة معزولة قبل أن تصلها الطريق في مطلع الألفية الثالثة. ولازال الفريق يشتغل هناك واليوم تدخلاتهم في المنطقة نفسها بعد الزلزال الذي أصاب المنطقة.
عود على بدأ
في جلسة من جلساتنا بتالبرجت رفقة أصدقائي منهم على الخصوص يوسف غريب والأستاذ بن جبور، وأثناء الحديث وطرائف يوسف وهو يستفز بن جبور عن أصل الحضارة وكان كثيرا ما يردد الرسالة الشهيرة عن مدينة إنزكان إلى قرية أكاديرأجابه بن جبور أنا من علمتك ركوب القطار فأطرق يوسف وقال صحيح صديقي.
هذا الموقف رغم كونه نابع من أصدقاء في جو هزلي ومرح عادي يحمل في طياته حقيقة مؤلمة هي أننا أبناء الجنوب والجنوب هنا ثقافي وليس جغرافي لا نعرف كيف نركب القطار.
أتذكر وقد تجاوزت العشرين لأول مرة أسافر في إتجاه طنجة وأردت ركوب القطار فأحسست أنني بدوي لم يدخل بعد باب الحضارة بمفهوم ساكنة المدن، وتذكرت المسؤول الجزائري الذي لم يأكل الموز حتى تجاوز العشرين، فقلت على الأقل نحن نأكل كل الفواكه في جنوبنا لأننا من ينتجها
أعود إلى معرض الرباط طيلة الأيام إلى التي قضيت وجدت أن الوسيلة الأكثر ملائمة للإنسان والأكثر أمنا هي القطار.
لكن عندنا تطالعنا الأخبار بأن القطار السريع تم التخلي عنه وأن القطار العادي قيد الدراسة وأن 2030 موعد كأس العالم وكل الميزانيات ستوجه للمستديرة.
إقتنعت بأن أبنائنا هنا في جنوب المغرب لن يركبوا القطار على الأقل قبل 2030 وربما بعده بسنوات لذلك اقول لك صديقي يوسف رغم أنك تعلمت ركوب القطار فلن تركبه لا أنت ولا أنا ولا أبنائنا إلا في مراكش.
- المحمدية 30 أبريل 2025

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News