
ومضات في ليل الغفلة
- بقلم : حسن كرياط//
ما أقسى تلك اللحظات التي يهتز فيها القلب بعد سكون، حين تتسرب كلمات القرآن إلى أعماق الروح، فتوقظها من سباتها الطويل. في التراويح، بصوت الإمام المتهدج خشوعًا، جاءت الآية كرسالة مخيفة لكنها عادلة:
﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ (البقرة 281).
ارتجفت الحواس بعد سبات، كأنها تنبهت فجأة إلى حقيقة كادت تنساها: نحن عائدون! عائدون إلى الله، بلا زيف، بلا أقنعة، بلا مجاملات دنيوية. تُرى، ماذا أعددنا لهذا اليوم الرهيب؟! يومٌ تُنزع فيه كل الألقاب، تُمحى كل الامتيازات، ويقف كل امرئٍ وحيدًا إلا مما حمله قلبه من يقين، وما ثقلت به صحيفته من عمل.
رحماك ربي! كيف غفلنا عن هذا المصير؟ كيف ألهتنا عجلة الحياة عن التفكير في نهايتها الحتمية؟ بحثت عن السلف، أولئك الذين عرفوا الحقيقة فأدركوا هولها، فوجدت عمر بن الخطاب، الذي اهتزت له الأرض عدلًا وقوة، يقول: “لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحدًا، لخشيت أن أكون أنا هو!” يا الله! أي خوف هذا؟ وأي يقين؟
وهذا عليٌّ، صاحب البلاغة والحكمة، يُردد بوجل: “كيف أفرح وأنا لا أعلم هل قبِل الله مني عملي أم لا؟” أما الحسن البصري، فقد لخص الوجود كله في كلمات قليلة: “إنما الدنيا حلم، والآخرة يقظة، والناس في الدنيا غافلون، فإذا ماتوا انتبهوا!”
لكننا في زماننا، غرقنا حتى الآذان في زخرف الحياة، أضعنا قلوبنا بين الماديات، وتبلدت أرواحنا تحت وطأة الشهوات. لبسنا الفاخر، أكلنا الشهي، ركضنا خلف الأمل البعيد، وتجاهلنا الوعيد القريب. فكيف ننجو إذا جاء يوم الحساب، وكُشفت الصحائف، وضاق الطريق؟
إنها رسالة قاسية للنفس الغافلة، ولكنها ضرورية. فلعلها توقظ ما بقي من بصيص في ظلمة الغفلة، وتعيد للروح وعيها قبل أن يُقال: “وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ” (الصافات 24).
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، واجعلنا من أهل القلوب السليمة، وأعمالنا خالصة لوجهك الكريم.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News