وفاة عالم الاجتماع السوري حليم بركات في الولايات المتحدة
توفي يوم أمس الخميس في الولايات المتحدة الروائي وعالم الاجتماع السوري حليم بركات عن عمر ناهز 90 عاما، وعمل بركات أستاذا جامعيا في جامعات أميركية ونشر العديد من الكتب والمقالات عن المجتمع والثقافة العربية الحديثة، ومن أعماله “الاغتراب في الثقافة العربية.. متاهات الإنسان بين الحلم والواقع” (2006)، و”المجتمع المدني في القرن العشرين” (2000)، و”الهوية وأزمة الحداثة والوعي التقليدي” (2004)، إضافة إلى روايات وكتابات قصصية.
ونعى صندوق القدس للتربية والتعليم وتنمية المجتمع (منظمة أميركية غير حكومية) بركات، مشيرا إلى أنه كان عضوا في لجنة مركز فلسطين، ومنوها بأدواره المهنية المميزة التي أثرت علم الاجتماع والأدب العربي.
ولد حليم بركات في الكفرون في سوريا، ونشأ ودرس في بيروت وتخرج في الجامعة الأميركية في لبنان، وهو روائي وعالم اجتماع وأستاذ جامعي قام بالتدريس في الجامعة الأميركية في بيروت وبجامعة جورج تاون في الولايات المتحدة التي قضى فيها أكثر من ربع قرن، وله ما لا يقل عن 17 كتابا بين رواية ودراسات اجتماعية وسياسية.
الغربة والاغتراب:
تناولت أعمال بركات ظاهرة الاغتراب بشكل مكثف، ولا سيما في المجتمع العربي حيث “يعيش الشعب كابوسا لا حلما.. إنه محاصر، ودائرة الحصار تضيق باستمرار، فيضطر بفعل اليأس إلى الانشغال بتدبير شؤونه الخاصة وتحسين أوضاعه المعيشية المادية على حساب كرامته وإنسانيته وطاقاته الإبداعية”.
وفي كتابه “غربة الكاتب العربي” ناقش بركات “غربات عديدة داخل الوطن وخارجه” عاشها إنسانا ومثقفا محللا العلاقة بين المعرفة والسلطة وبين المثقف والحاكم، ومميزا بين علاقات اللامبالاة والاضطهاد والوصاية والمشاركة.
وجمعت بركات -كما تروي فصول الكتاب- صداقة حميمة بمثقفين وكتّاب في المنفى، وتناول تأثيرات الغربة في شعر أدونيس وفي فكر هشام شرابي وإدوارد سعيد، وفي روايات جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف والطيب صالح، وفي مسرح سعد ونوس وفي لوحات مروان قصاب باشي.
وفي نصوصه يسرد حليم ويتذكر الشخصي والعام ويحلل ويحاكم النفس والآخرين ويتنقل بين الماضي والحاضر والمستقبل بنص هو نسيج من الروائي رغم واقعية معظمه.
في مجموعته “رياح وظلال” قدم الروائي وعالم الاجتماع الراحل 3 أو 4 قصص تنتمي في الزمن إلى ما بين 1960 و2009، وهي أعمال تظهر تمسك الكاتب الدائم بالتزام القضايا الإنسانية والقومية على حساب المتعة والسعادة الفرديتين.
وكتب بركات ما يشبه سيرة ذاتية قصصية مكونة من أحداث وأفكار شكلت تاريخ مرحلة لا في لبنان فحسب بل في المنطقة العربية، لكن مثقفين سوريين انتقدوا غياب بركات -كحال كتاب سوريين آخرين مثل جورج طرابيشي- عن تحولات بلاده في السنوات الأخيرة، فصاحب “غربة الكاتب العربي” ومنظّر التغيير والعدالة لم يقدم رؤيته وبدا نائيا عن الحراك الشعبي في بلاده.
بيروت:
ومن منظور عالم الاجتماع يبدو أدب بركات شبيها بالدراسات الاجتماعية والتحليل الفكري والسياسي، لكنه دائما يروي بشعرية واضحة عما بدا في مجمله فردوسا مفقودا رغم كثير من الآلام الماضية كما في روايته “المدينة الملونة” عن مدينته الأثيرة بيروت.
في بعض كلمات حليم اختصار لكثير من معاناة بيروت ومعاناته من أجلها، ويقول مختصرا مراحل مختلفة من أحداث المدينة أثناء دمارها وبعد إعمارها “عرفت جيدا أن بيروت ليست المدينة التي تنام باكرا مع العصافير، وأن ليلها أجمل ما تعد به سكانها وعشاقها في مختلف الفصول”.
ويضيف “غير أني نسيت وأنا أتجول في وسط دمار ساحة البرج ما حفظت من تبجيل لبيروت حين استرجعنا تفاصيل حياتنا فيها، وحين واجهت الدمار العبثي إثر الحرب الأهلية الثانية انهارت داخل نفسي الأساطير التي حيكت حول لبنان فاقتنعت بأنه كلام كان يقوم على أسس واهية لم تصمد عندما عصفت به وببيروت رياح الأزمات العاتية.. وها قد مضى ربع قرن وما زالت آثار الحرب المجنونة تلك تتفاعل فتعيش مع ناس وأزمة وذاكرة هذا الوطن وهذه المدينة المنذورة لتعيد بعثها بعد كل حرب وبعد كل موت”.
وفي حديثه سابقا عن روايته قال “إن المخيلة شاءت أن تكون الرواية تاريخ حياتنا اليومية وأسطورة تربطنا بما غاب وبما سيحضر، تبدأ تلقائيا من الداخل إلى الخارج ومن الخارج إلى الداخل، وكان أن أردتها رحلة سندبادية لاستكشاف بيروت والذات وأسرار العلاقة بينهما، أنا لست هي ومن الأكيد أنها ليست أنا”.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News