رأي: وسط مذابح الغلاء؛ الكل صامت، فمن يجرؤ على الكلام؟
يبدوا أن الكل تراجع الى الوراء، معاول النقد نخرها الصدء، أنياب المساءلة سقطت، سكاكين المعارضة فقدت حدتها، فعم الصمت… تاركا الخنازير ترفس البلاد رفسا، تحلب المواطنين حلبا، تنكل بهم تنكيلا، تفقرهم فقرا، ولا من يستنكر أفعال حكومة الكفاءات!.. ولا من يقول كفى، او ربما هناك من يقول كفى لكن يبقى صوته الحق نشازا وسط لحن الزغاريد الذي تظن من خلاله (لحن الزغاريد) الصحافة انها تمارس سلطتها الرابعة.
الرابعة تحت الصفر ربما!
يحمل الصمت بين طياته مدلولات الموت، الركود، الخمول، ولذلك فإن البرك المائية الآسنة والراكدة لا يصلح الشرب منها، كما أن سمة المقبرة الصمت المطبق، فالأموات لا يستطيعون التعبير والحديث، غير أن الاستثناء المغربي الذي يسوق له البعض يحضر حتى في هذه الحالة، المغاربة احياء، لكنهم صامتون، كالموتى في قبورهم! أهو تعبير عن يأسهم في مغرب أفضل؟ أهو استراحة محارب خاض معارك التحرر من جور الحكام والاستعمار وفساد المتعاقبين على مناصبه السياسية؟ أم ان المغربي شعر بعبثية التعبير والاحتجاج ما دامت اللعبة السياسية مبهمة الأطراف والمتدخلين فيها مادام أن جبل الجليد السياسي يخفي أكثر مما يظهر؟
تظل الأسئلة قائمة لكنها لا تنفي صمت المغاربة الذي يشبه صمت الموتى، الأرواح التي تعود الى ربها راضية مرضية، قانعة خانعة، تنتظر الفرج من ثلة ذئاب ينهشون جيوبها ليل نهار …
أنا أطرح سؤال أخر، أ يستطيع رجل بماله أن يشل حركة النقد والمساءلة والمعارضة وكل الأصوات التي لا تقول “العام زين” ؟ إن الأمر مرعب، يبدوا أننا أمام قوة لا تقهر، تملك سلاحا هو عصب الحياة في النظام الرأسمالي النيولبرالي الاستهلاكي الذي نجتر مآسيه، على المستوى القيمي والثقافي عنوانه الاستلاب الثقافي، اما المستوى الاقتصادي فإن عناوينه عديدة تكتب بحد السكين وبلغة السوط، سَوْط التعذيب الذي اتخذ صورة الغلاء ورفع الدعم عن مكونات لا يفتأ بيت مغربي يخلوا منها، وتُسحق تحته الطبقات الضعيفة سحقا بدون رحمة، اذ ان قانونها قانون دارويني اساسا، البقاء الأقوى، والأقوى في النظام الراسمالي النيولبرالي الاستهلاكي هو الذي يملك المال، اله النظام العالمي الجديد، الذي تحول من كونه اداة ووسيلة إلى كونه الغاية .
على المغاربة أن يفهموا درس سياسي وتاريخي مهم، هو ان لا شيء يأتي إراديا من السلطة السياسية، خاصة الامتيازات ذات الطابع الاجتماعي، وأن الدستور يخول للجميع حق التعبير عن رفضه للسياسات العمومية والقرارات الاجتماعية والاقتصادية إن كانت مجحفة ولا تخدم مصالحه كمواطن، فعلاقته بالدولة ليست بالضرورة علاقة تبعية وطاعة بل هي علاقة تعاقد اجتماعي يفرض على طرفي التعاقد(الدولة والمواطن) حقوق وواجبات، ولا وجود لمفاهيم مثل الاحسان والصدقة في علاقة التعاقد هذه .
وانطلاقا من هذا الفهم الحديث والمتقدم للدولة، نفهم ونعيد تأويل البيوت الشعرية لأبو القاسم الشابي، “إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ”، غير أن القدر هنا ليس بمفهومه الديني الغيبي، فالشعب هو من يصنع قدره، هو من يكسر القيد إن أراد أن يتحرر، وأولى الخطوات هي الخروج من حالة الصمت، والتعبير عن مآسيه اليومية مع غلاء الاسعار والمعيشة، وتأزم الأفق والفقر والبطالة …الخ
بقلم محمد لحميسة
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News