وسائل التواصل الاجتماعي: هل تشكل خطرا؟ – الجزء الثاني
- بقلم: المكي بوسراو //
نهاية روح الابتكار: في ضيافة وسائل التواصل الاجتماعي صار الكل ينسخ و ينقل ويقلد. لم يعد هناك ابداع أو قل تقلص إلى حد كبير. فأغلب ما يكتب وينشر هو تكرار لأقوال وتدوينات ونسخ حرفي لها، وحتى التعليقات أصبحت متشابهة وتحاكي بعضها البعض. لماذا؟ لأنه من السهل أن ننقل عبر نقرات سريعة بدل أن نفكر ونبحث، فذلك سيتطلب منا مجهودا عقليا كبيرا، تعفينا منه النقرة الواحدة والسريعة. هناك سبب نفسي يقف وراء الظاهرة السالفة الذكر وهو يتعلق بآلية نفسية دفاعية تجعل كل فرد يسعى إلى تأكيد انتمائه إلى الجماعة، إذ حين نحاكي الآخرين في مواقفهم وأقوالهم فإننا نثبت هويتنا المشتركة ونحتمي بالذين يشبهوننا. وهذا ما يشكل مصدر أمان واطمئنان، ما دام الفرد جزء من كل ولا يثبت وجوده إلا حين يعلن انتسابه إلى جماعة معينة لأنه بذلك يستعيد طمأنينته ويعزز انتماءه إلى “النحن” الذي يؤشر على قبوله وحمايته. ولعل “نيتشه” أصاب عندما قال إن الفرد يسعى دوما إلى إرضاء الجماعة بتقليدها ومحاكاة نمط عيشها. فراحة البال والشعور بالأمان لا يتحقق إلا عبر الانتساب إلى قطيع ما والذوبان في يقينياته.
سلطة الانفعال: حين نتمحص التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي نلاحظ أن جلها صادر عن انفعال وليس عن روية. لذا فإن تلك التعليقات تضج بالغضب والتهجم والاحتقار أو الاستخفاف. وهي تستعمل في ذلك لغة الإقصاء والسب والشتم. وعليه فردود الأفعال التي تفرض سيادتها في وسائل التواصل الاجتماعي تبرز بشكل واضح أن مرتادي هذه الوسائل ينساقون وراء المشاعر اللحظية والانفعالات السريعة ولا يمنحون لأنفسهم وقتا للتأمل، ما يعني أن التفكير الرزين والتحليل المنطقي يترك مكانه للانسياق اللغوي. وعليه فسيادة لغة الانفعال تعني تراجع لغة الفعل أي تلك اللغة التي تتجه نحو البحث عن الحلول وتأخذ الوقت الكافي للتفكير واالاجتهاد. والنتيجة هي سيادة ردود الأفعال والتبعية على حساب الابداع والفكر المستقل.
سهولة الهدم: ما يلاحظ في وسائل التواصل الإجتماعي هو الحضور القوي للنقد الهدام الذي يصل في كثير من الأحيان إلى العدوان اللفظي. وهذا ما يكشف عن فقر حاد في أدوات التفكير والحجاج العقلي، إذ بدل أن يبذل الفرد مجهودا للبحث عن الأدلة المقنعة، تراه يختصر الطريق باللجوء إلى العنف الكلامي الذي يهدم ولا يبني. خصوصا وأن وسائل التواصل الاجتماعي تتيح فرصة إنشاء حسابات مقنعة لا تظهر فيها الهوية الشخصية لصاحبه، وهذا التستر هو الذي يشجع أكثر على مثل تلك الممارسات ما دام المعني بالأمر يضع طاقية الإخفاء. من السهل جدا أن نصدر حكما ونمارس العدوان على غيرنا لأن محاولة فهمه والانصات له والإنفتاح على عالمه، كل ذلك يستدعي أليات منطقية ووجدانية لا مكان لها عند الانسان الخامل الذي يعاني من الكساد الفكري والعاطفي.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News
نعم