الرأيالعالم اليوم

وسائل التواصل الاجتماعي: هل تشكل خطرا؟ – الجزء الاول..

  • بقلم المكي بوسراو //

بات من المؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي فرضت سلطتها على الجميع. إذ أن حضورها في كل مناحي الحياة أمر لا جدال فيه. فمن الصعوبة بمكان أن تجد فردا أو جماعة تجهلها أو لا تلجأ إلى خدماتها.

بل أكثر من ذلك هناك من اًصبح عبدا لها لكثرة الإدمان عليها. وعليه يجب الإقراربوجود مخاطر حقيقية للوسائل التواصل الاجتماعي على الانسان ، حيث صارت تفرض انماطا من المواقف والسلوكات التي تهدد القيم الانسانية الإيجابية والعلاقات بين الأفراد والجماعات. فأين تكمن هذه التهديدات؟ وما هي خلفياتها؟

التشابه المطلق:

ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي تسمح للمستعمل اختيار أصدقائه ومن يريد التفاعل معه، وفي الغالب ما يتم هذا الاختيار على قاعدة التشابه، حيث يفضل المستعمل من يفكرون مثله ومن يحملون نفس المواصفات مثله. ويستبعد بطبيعة الحال الذين لا يتفق معهم وأولئك الذين يحملون قناعات مضادة أويمتلكون مواصفات مختلفة.

ففي العالم الافتراضي يلجأ المرء إلى المحاكاة لأنه يجد ضالته في الشبيه الذي يحمل شخصية مثله ويحقق ذاته عندما يرى نفسه في مرآة الآخرين، الذين يرددون نفس الأقوال والأفكار مثله، إذاك فقط يحمي نفسه من التمايز والتناقض.

وهذا الأمر يؤسس لسيادة ثقافة التماهي التي تتشابه فيها المواقف والأفعال، وتغيب معها ثقافة الاختلاف التي تقوم على تباين الآراء وتناقض المواقف ووجهات النظر. وحين يسود التماهي تهيمن على الأذهان الحقيقة الوحيدة والمطلقة، لأن المتشابهين يتبنون نفس القناعات ويدافعون عن نفس المواقف.

على العكس من ذلك فالتناقض يسمح يالاجتهاد والبحث عن الأدلة المقنعة، كما يدفع الفرد إلى اختيار الحجج المناسبة التي يكون بمقدورها تثبيت الموقف وإقناع الغير.

وعليه فالتناقض يمنح فرصة لا مثيل لها للفرد كي ينفتح على عالم الآخرين وينفلت من قوقعته الضيقة التي تأسره في “نمط حياة قطيعية” بلغة الفيلسوف الألماني نيتشه.

سيادة الوهم:

إن المحاكاة أو التشابه المطلق المشار إليه آنفا يغذي إلى حد كبير الوهم بأن هناك حقيقة واحدة ومطلقة وبأن الجميع يجب أن يؤمن بها ويعتبرها كذلك.

وهذا الوهم يزداد انتشارا لأن عددا لا يستهان به من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ثقافتهم محدودة وطريقة تفكيرهم نمطية، مما يجعلهم يعتقدون أن الحقيقة الرائجة في حساباتهم ومنتدياتهم المتشابهة هي الحقيقة التي لا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها.

هكذا تصير الكثير من الإشاعات والأخبار الزائفة و الخزعبلات والهذيانات حقائق مصادق عليها، ما دام كل الرواد تداولوها واقتسموها ونالت إعجابهم.

فمعيار الصحة واليقين هو كم الإعجاب وعدد المتقاسمين وليس أبدا قوة الحجة ومنطق الاستدلال. وحين تصبح تلك الأوهام راسخة في الأذهان عبر إجماع الرواد المتشابهين ، فإنها تنقلب إلى حقائق يقينية من الصعب التشكيك فيها أو دحضها.

ويشار إلى كل من يجرئ على نقدها باعتباره مضللا ونشازا يجب محاربته لأنه يشكل خطرا على الجماعة.

يتبع ..

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى