المجتمع

وثائق استخباراتية تكشف الأطماع الجزائرية في الصحراء المغربية: صراع نفوذ أم رهانات استراتيجية؟

  • بقلم: حسن كرياط//

في تطور يكشف أبعادًا خفية لنزاع الصحراء المغربية، أظهرت وثيقة استخباراتية رُفعت عنها السرية مؤخرًا من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) أن دعم النظام العسكري الجزائري لجبهة البوليساريو يتجاوز الشعارات المعلنة حول “تقرير المصير”، ليكشف عن طموحات جيوسياسية استراتيجية تسعى إلى فرض هيمنة إقليمية وتقويض الاستقرار المغربي.

ووفقًا للوثيقة، فإن الجزائر لا تدعم البوليساريو فقط كمسألة مبدئية تتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها، بل تسعى إلى تحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد، أهمها تأمين منفذ على المحيط الأطلسي عبر كيان تابع، مما يسمح لها بكسر عزلتها الجغرافية والانخراط بشكل أقوى في الاقتصاد العالمي. هذا الطموح، الذي يعود إلى حقبة الرئيس الأسبق هواري بومدين، يعكس رؤية توسعية تهدف إلى إضعاف المغرب وإعاقة نموه الاقتصادي عبر حرمانه من موارده الطبيعية الهائلة في الصحراء المغربية، بما في ذلك الثروات الفوسفاطية ومخزوناته البحرية الغنية.

وترجع الوثيقة جذور هذا الصراع إلى أواخر الستينيات والسبعينيات، حيث تبنّت الجزائر، المتأثرة بعقيدة الحرب الباردة، سياسة خارجية قائمة على دعم الحركات الانفصالية كأداة لموازنة القوى الإقليمية. وفي هذا السياق، لم يكن دعم البوليساريو مجرد موقف تضامني، بل كان جزءًا من استراتيجية تهدف إلى إضعاف المغرب، الذي كان آنذاك متحالفًا مع الغرب في مواجهة النفوذ السوفياتي المتزايد في المنطقة.

وقد استمر هذا النهج حتى بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث أعادت الجزائر تكييف استراتيجيتها لتتماشى مع التحديات الإقليمية الجديدة، مثل تزايد النفوذ المغربي في إفريقيا، وتطور المشاريع الاقتصادية الكبرى التي تهدد موقعها الجيوسياسي، مثل مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي من شأنه أن يقلل من أهمية الجزائر كمزوّد رئيسي للطاقة.

ومع رفع السرية عن هذه الوثائق، يتزايد التساؤل حول تداعيات هذه المعلومات على مواقف المجتمع الدولي من النزاع. فإذا كان الدعم الجزائري للبوليساريو مبنيًا على اعتبارات استراتيجية وليس فقط إنسانية أو حقوقية، فقد يدفع ذلك العديد من الدول إلى إعادة تقييم مواقفها من القضية.

فالتحولات الجيوسياسية الحالية، خاصة مع تصاعد النفوذ المغربي في القارة الإفريقية وتزايد التعاون مع قوى عالمية مثل الولايات المتحدة والصين، قد تؤدي إلى إعادة رسم ملامح هذا الصراع. كما أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والتقارب المغربي مع دول الخليج وإسرائيل يشير إلى أن موازين القوى قد لا تبقى في صالح الطرح الجزائري.

وفي ظل هذه المستجدات، يبقى السؤال الأهم: هل ستدفع هذه الوثائق الجزائر إلى إعادة النظر في سياستها تجاه النزاع، أم أنها ستضاعف جهودها للحفاظ على الوضع الراهن؟ وبينما يستمر المغرب في تعزيز موقعه كقوة إقليمية صاعدة، قد تجد الجزائر نفسها أمام ضرورة تبني مقاربة جديدة أكثر واقعية، خاصة في ظل الضغوط الداخلية والتحديات الاقتصادية التي تواجهها.

وفي النهاية، يبدو أن نزاع الصحراء المغربية لن يكون مجرد قضية “تقرير مصير” كما تسوقه الجزائر، بل معركة نفوذ إقليمية لها تداعيات أوسع على استقرار المنطقة ومستقبل العلاقات المغاربية-الإفريقية.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى