هل يقود المغرب التحول في موازين النظام العالمي الجديد؟
- الاستاذ الحسين بكار السباعي //
إن قوة الدول لا تبنى على المصادفات العابرة ، بل على ركائز استراتيجية عميقة ترسخ وجودها وتضمن استمراريتها في خضم التغيرات العالمية المتسارعة .
فرغم تباين مدارس الفكر الجيوبوليتيكي بشأن أهمية العوامل الجغرافية ، إلا أن الإجماع ينعقد حول ضرورة وجود ركيزتين لا غنى عنهما لأي دولة تسعى للتميز العالمي ، محددنا أساسيين لثقافي و الديمغرافي ،هذان المحددان ، اللذين يشكلان الأساس الصلب لبناء الهوية الوطنية ، وترسيخ مكانة الدولة في ميزان القوى الدولية .
فالبرجوع الى المحدد الثقافي بما يحمله من غنى وتنوع ، نجده يمثل روح الأمة وعنوان قوتها ،فلا يقصد هنه فقط ذلك الإرث الحضاري ، بل مجوع القيم والمعتقدات التي توحد الأمة وتمنحها مناعة ثقافية في وجه التحولات و العولمية .
المغرب بتنوعه الثقافي الفريد الذي يجمع بين الأمازيغي والعربي والحساني والإفريقي والعبري ، يمتلك كنزا استثنائيا يمكنه أن يكون رافعة لقوة ناعمة قادرة على التأثير في الداخل والخارج . غير أن هذا التنوع ورغم غناه ، يظل بحاجة إلى رعاية مستدامة لتعزيز الانسجام الوطني وتجذير الهوية الجامعة ، التي تتجاوز الانقسامات وتحصن المجتمع من اختراقات الثقافات المهيمنة .
أما المحدد الديمغرافي ، فهو القوة الكامنة في العدد والنوعية . الثروة البشرية المغربية، التي يشكل الشباب غالبية مكوناتها ، والتي تمثل ذخيرة المستقبل ،بالرغم من عدم الإستثمار الفعلي للإمكانات السكانية ،والتي تتطلب سياسات بعيدة المدى تركز على رفع جودة التعليم و تحفيز الابتكار وخلق بيئة اقتصادية جاذبة تحد من نزيف العقول والكفاءات .
لا يمكن أعزائي ، لدولة تطمح إلى الريادة أن تتجاهل التحديات المرتبطة بالبطالة والتي وصلت حسب الاحصاء العام الأخير للسكان إلى نسبة غير مسبوقة ، وهجرة الأدمغة التي أصبحت تقلق مستقبل البلاد في جميع المجالات ، وضعف التكوين المهني وجودته ، هذه الظواهر قد تتحول إلى معوقات تعرقل التقدم إذا لم تواجه بحزم وجدية.
إن المغرب، بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، وثرائه الثقافي والتاريخي، وحيويته الديمغرافية، يمتلك مفاتيح التميز والريادة. غير أن هذه المفاتيح تحتاج إلى إرادة سياسية واعية تدمج بين تعزيز الهوية الوطنية وتأهيل الثروة البشرية ضمن رؤية شاملة قادرة على مواجهة تحديات العصر. فالسياسات العمومية يجب أن تكون حاملة لمشاريع تتجاوز الحلول الظرفية إلى بناء أسس تنموية مستدامة تُرسخ مكانة المغرب كقوة إقليمية وعالمية.
ختاما ياسادة ، بناء قوة المغرب ليس خيارا بل حتمية وجودية، تتطلب الوعي بأهمية المحددات الثقافية والديمغرافية كركائز للتنمية والازدهار ، في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء . فإستثمار المغرب في هذه الركائز يضعه على الطريق الصحيح نحو تعزيز موقعه كأحد الأقطاب المؤثرة في النظام العالمي الجديد .
ذ/ الحسين بكار السباعي
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News