الاقتصاد

هل نجح المخطط الأخضر في ضمان الأمن الغذائي للمغاربة؟

  • الدكتور رضوان زهرو
يستعد المغرب كما هو معلوم  لتنظيم نسخة جديدة للمعرض الدولي للفلاحة بمكناس بداية ماي 2023 ، وذلك في سياق خاص جدا هذه السنة: قلة المعروض من المنتجات الفلاحية وبالتالي غلاء فاحش في الأسعار ؛ ما جعل البعض يتسائل : هل نجح فعلا المخطط الأخضر في ضمان الأمن الغذائي للمغاربة؟  و هل تستطيع الفلاحة أن تفي باحتياجات المغاربة، في الحاضر وفي المستقبل؟
لقد تمكنت الفلاحة المغربية من تحقيق بعض المكتسبات، حيث عمل المغرب جاهدا على تأمين حصة لا بأس بها من حاجياته من بعض المنتجات الغذائية، كاللحوم والخضر والفواكه، والحليب، والسكر، و الحبوب، والزيوت….
 وبلغت الواردات الفلاحية في وقت من الأوقات، ما بين 14 و24% من الواردات الإجمالية للمغرب،  والصادرات الفلاحية ما بين 15 و 21% من مجموع الصادرات الوطنية.
 ولم يكن ذلك ليتحقق من دون السند السياسي و التعبئة المتواصلة حول مخطط المغرب الأخضر ، والذي أريد له منذ البداية، أن يجعل الفلاحة من أولويات القطاعات الاستراتيجية الوطنية، ورافعة أساسية للاقتصاد الوطني ككل،  من خلال العمل على تحديث وعصرنة الفلاحة، وتعزيز الاستثمارات، والتكامل الجيد بين السلاسل الإنتاجية، من أجل تحقيق الأمن الغدائي، عبر تغطية طلب التغذية بالنسبة للمواد الأساسية، والحد من تأثير التغيرات المناخية، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وإنعاش صادرات المنتجات الفلاحية، وتثمين المنتجات المحلية، وخلق فرص العمل، والرفع من مساهمتها في الناتج الإجمالي الخام، لتتجاوز %15 الحالية.
فالمخطط من الناحية النظرية كان طموحا جدا، وحاول أن يحدث دينامية بين الفلاحين الكبار والصغار – هذه الفئة الأخيرة التي ظلت تتخوف من تحدي تسويق منتوجها وتشكو من قلة دعمها ومساندتها- لكن مع ذلك، ورغم كل المجهوذات المبذولة، لا يزال القطاع الفلاحي في بلادنا يعاني من الكثير من العيوب؛ منها ضآلة الاستثمارات، وغياب التخطيط وعدم تنفيذ ما خطط له رغم تواضعه، وعدم وجود سياسة  للتخزين الزراعي وعدم توفر إمكاناتها، وفقدان آلاف الهكتارات بسبب التصحر، وضعف النفقات المخصصة للجهود العلمية في تطوير الفلاحة، وتأثر الموارد المائية المتوفرة من كثافة الاستعمال – خاصة بالنسبة لبعض المنتجات الكثيرة الاستهلاك للماء والموجهة أساسا للتصدير –  ومن التبخر وتلوثها بمياه الصرف الصحي؛ كما أن معظم كميات الأمطار تذهب هدرا.. الأمر الذي يملي اليوم ضرورة إقامة السدود السطحية، لحفظ مياه الأمطار في المواسم المائية، لاستخدامها في سنوات الجفاف؛ إضافة إلى قلة الموارد المالية وضعف كفاءة استعمالها؛ فالتمويل يظل من أهم العوامل المؤثرة في النهوض بالقطاع الفلاحي، حيث تبين بأن معظم المشاريع الفلاحية لا ينقصها سوى المال اللازم. فبدون الأموال الكافية وبدون مصارف فلاحية متخصصة تتولى مهام تمويل النشاط الفلاحي وتقديم القروض الميسرة، من أجل توفير التجهيزات والمدخلات الضرورية، من بذور وأسمدة ومواد مكافحة، لا يمكن استغلال الطاقات الكامنة؛ فزيادة الطاقة الإنتاجية تتوقف على توافر الاستثمارات اللازمة لتمويل عملية التنمية الزراعية، علاوة على تهيئة الظروف الاجتماعية والاقتصادية المناسبة، لخلق الكثير من الأجواء التنموية السليمة.
هذا عن الوضعية الحالية؛ أما صورة الغد القريب، حتى لا نقول المستقبل، فقاتمة وخطيرة جدا؛ فالمغرب سيكون مضطرا لتسديد مبالغ كبيرة جدا من أجل شراء المواد الغذائية من الخارج، وستعاني الملايين من نقص الغذاء، وستزداد حاجتنا للمساعدات والحسنات التي تمن بها علينا الدول الغنية.. هذا إذا توفرت في الأسواق العالمية، الكميات والنوعيات التي نحتاجها من المواد الغذائية، وإذا رضيت الدول المنتجة على طموحاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشروعة؛ وما تجربة العقوبات الاقتصادية والغذائية التي تفرض على بعض الدول من حين لآخر، إلا مثالا واحدا من الأمثلة الكثيرة، لما يمكن أن تتعرض له بلدان وشعوب أخرى من العالم.
ومن هذا المنطلق، نحتاج اليوم إلى دعم الفلاحة العصرية ذات القيمة المضافة والإنتاجية العالية، والتي تستجيب بالدرجة الأولى، لمتطلبات السوق الداخلية، من خلال تشجيع الاستثمارات الخاصة، واعتماد وسائل جديدة من التجميع العادل، وتطوير الأنشطة الصناعية المرتبطة بالفلاحة وتثمين منتوجاتها، وتأهيل تسويق المنتجات وشروط التجميع والتخزين؛ كذلك دعم الفلاح الصغير، ومحاربة الفقر في الوسط القروي، عبر الرفع من الدخل الفلاحي في المناطق الأكثر هشاشة؛ إضافة إلى النهوض بفلاحة تضامنية ذات مردودية لفائدة المرأة القروية، من خلال مشاريع مخصصة للتعاونيات الفلاحية النسائية، وتطوير السلاسل الفلاحية، والتعاون بين الدولة والمهنيين، عبر عقود البرامج، وتحسين تربية المواشي، وتكثيف استعمال المكننة، والتركيز على اقتصاد الماء.
إن إشكالية الأمن الغذائي في المغرب يستحيل معالجتها دون استراتيجية تنموية واضحة المعالم، تأخذ بعين الاعتبار هدفين اثنين:
أولا: إطعام الإنسان المغربي من الجوع يجب أن يتصدر أولوياتنا الوطنية؛
ثانيا: توفير الغذاء يجب أن يكون قبل كل شيء مهمة إنسانية وأخلاقية ومصيرية؛ علما بأن في المغرب، طاقات وإمكانات مهمة، لو استغلت على الوجه الأكمل لتحقق الأمن الغذائي، ولتحول المغرب من بلد مستورد للغداء إلى بلد مصدر له
          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى