الرأيالمجتمع

هل فعلا يراوح نظامنا التعليمي مكانه؟ ولماذا؟..

  • بقلم المكي بوسراو* //

لا شك أن كل متأمل في نظامنا التعليمي يقر بأن المدرسة المغربية أصابها الإجترار والترهل المزمنين، بل إنها توجد في غرفة العناية المركزة في حالة غيبوبة مزمنة، رغم كل الشعارات الرسمية التي تتغنى بالإصلاح والتغيير.

فهل فعلا يراوح نظامنا التعليمي مكانه؟ ولماذا؟

الجواب عن هذا السؤال يقتضي استحضار عدة متغيرات، منها السياق السوسيوثقافي، السياق المدرسي، السياق الأسري والسياق النفسي. وهذه المتغيرات تحيلنا على جملة من العوامل والأسباب التي ساهمت في جعل المدرسة المغربية لا تتوفق في مهامها. وهي نفسها العوامل التي تقف حجر عثرة في وجه كل محاولات الإصلاح التي اقترحت أو تم اعتمادها منذ عدة سنوات، والتي راوحت مكانها دون أن تقدم حلولا جذرية وفعالة للمعضلات التي تنخر جسد المدرسة المغربية منذ عقود خلت.

لكن رغم التشابك والتعقيد المشار إليهما، واللذين يستدعيان دراسات وبحوثا دقيقة ومعمقة، إلا أنني سأحاول إلقاء الضوء على جملة من العلل التي ساهمت في تأبيد هذه الوضعية، وهي علل ترتبط في جزء منها بالسياق الاجتماعي والثقافي، لكنها ترتبط أيضا بالفاعلين التربويين المتدخلين في التعليم مثل الأساتذة والمديرين وأمهات وآباء التلاميذ. كما سأعطي أهمية للمناهج المتبعة في التدريس نظرا لتأثيرها المباشر في التكوين المعرفي والوجداني للمتمدرسين.

النسق السوسيو ثقافي:

والمقصود به مجمل المحددات والعوامل المرتبطة بالسياق الاجتماعي والثقافي والتي تجد جذورها في التقاليد ومنظومة القيم والعقلية السائدة وأنماط السلوك والمشاعر المتداولة في المجتمع. هذه العوامل لها تأثير واضح و قوي على النسق التربوي والتعليمي، ما دام أن الأمر يتعلق بمحددات تعمل على توجيه الأفراد وتؤطر طريقة تفكيرهم وأسلوب عيشهم، كما تتحكم في عواطفهم وسلوكاتهم. فالكل يعلم اليوم أن الأطفال والمراهقين الذين يلجون الفضاء المدرسي ليسوا لوحات فارغة أو أقراصا مدمجة عذراء، بل إنهم يأتونها محملين بمعتقدات وأفكار وسلوكات وانفعالات وأحكام جاهزة ومسبقة. ذلك أن العقلية السائدة مثلا تفرض أحكامها ونواميسها على جل تصرفات التلاميذ واختياراتهم ومواقفهم التي لا تخضع لمنطق الاجتهاد والإبداع بقدر ما تساير ما هو مألوف وتقلد ما هو متداول.

وبما أن التقاليد هي مكون أساسي في أي نسق اجتماعي، خصوصا المجتمعات المحافظة كمجتمعنا المغربي. وبما أن المدرسة تشكل إحدى أهم القنوات لتمرير لتلك التقاليد وترسيخها في أذهان ومشاعر الناشئة. فإن أي متتبع سيلاحظ أن منظومتنا التعليمية تقع تحت تأثير تلك التقاليد، بل إنها تكرسها عبر المضامين والمناهج الدراسية وكذا مواقف وتصرفات الأساتذة والإداريين. وهذا ما له وقع مباشر وغير مباشر على عقل ووجدان المتعلم، حيث تتشكل معظم التمثلات وأنماط السلوك لديهم في علاقة وثيقة بالذهنية التقليدية الحاضرة بقوة في المجال المدرسي.
منظومة القيم: وأقصد هنا مجموع المبادئ والقيم المؤطرة للحياة العامة وللعلاقات بين الأفراد، وبالضبط القيم السائدة اليوم في مجتمعنا أي تلك التي تلقى رواجا واسعا بين فئاته. وهي:

قيمة البقاء للأقوى: في سياق التغيرات الاجتماعية التي شهدها المغرب خلال العقود الأخيرة، برزت على السطح قيمة البقاء للأقوى داخل النسق الاجتماعي بصفة عامة والنسق المدرسي بشكل خاص. وقد أخذت هذه القيمة أبعادا خطيرة في منظومة التربية أي داخل الأسر والمؤسسات التعليمية، وصارت من القيم الراسخة في اللاوعي الجمعي وفي التركيبة الذهنية للناس.

وهكذا تحولت المنافسة الشريفة في المدرسة مثلا، إلى هوس الفوز والحصول على أعلى نقطة بأي ثمن ولو تطلب الأمر الإساءة إلى الآخر أو السير على جثته حتى.

ولم يعد عيبا أن يفتخر التلميذ أو أسرته بهذا المنجز الحيواني المقزز وأمام الملإ. بل إن عددا من الأمهات والآباء يشجعون أبناءهم على المضي في هذا الطريق لأنهم يعيشون استيهاما حقيقيا، يسعون من خلاله إلى التعويض عن رغباتهم المكبوتة وإحباطاتهم الطفولية. فالاعتراف بتفوق أبنائهم هو اعتراف بهم وانتقام لاشعوري من ماضيهم وعقدهم.

فالمهم هو أن يكون إبني أو ابنتي هو الأصلح والأقوى، وليذهب الآخرون إلى الجحيم. ذلك أن النجاح في الدراسة هو المدخل للارتقاء الاجتماعي أو قل هو اعتراف للآباء بارتقائهم داخل السلم الاجتماعي.

إن قيمة البقاء للأقوى مستمدة من العالم الحيواني الذي تتصارع فيه الكائنات المتوحشة من أجل ضمان العيش والحفاظ على الحياة، وهي نفس القيمة التي عادت للتجذر بقوة في مجتمعاتنا المعاصرة، ذلك أن المجتمع الاستهلاكي في حرصه على توجيه سلوك الناس والتحكم في عاداتهم، أعطى أهمية مبالغ فيها للنجاح والتميز، فكلما استهلكت أكثر، كلما كنت ناجحا ومتفوقا في أعين الناس.

فالاستهلاك هو الذي يمنحك مكانة اجتماعية متميزة. وإلقاء نظرة سريعة على مجتمعنا من خلال رصد سلوكات الناس اليومية، يؤكد ما أشرت إليه سالفا. فالنجاح والبقاء لمن يملك سيارة فاخرة أو منزلا كبيرا أو يرتدي ملابس غالية الثمن وتحمل بصمة الشركات التجارية الكبرى.

قيمة النجاح بأي ثمن: شعار التلاميذ وأوليائهم هو “الغاية تبرر الوسيلة” بمعنى أن كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة تبقى واردة ومستحبة لتحقيق الهدف الذي هو النجاح. فالمهم هو الوصول وليس كيف تم الوصول، وهكذا صار العنف والغش والمحاباة والابتزاز والتزلف ….إلخ وسائل عادية لبلوغ النتيجة.

إذ لا حرج عند الأجيال الصاعدة ولدى أوليائهم من اعتماد جميع الطرق الملتوية والخسيسة، حتى أن إرشاء الأساتذة بالمال أو الهدايا أصبح أمرا عاديا بل وموضوع افتخار، من أجل استجداء النقطة والحصول على ترتيب جيد في القسم. وحتى بعض الأساتذة انخرطوا في اللعبة وتفننوا في عمليات ابتزاز التلاميذ دون أي وازع أخلاقي.

إن قيمة “النجاح بأي ثمن” هي من بين القيم الأكثر رواجا في المجتمع المغربي اليوم، فالكل يركض وراء النجاح والجميع يريد أن يصل بدون مجهود والكل صار مهووسا بالتألق والشهرة والتميز. وترسخت هذه القيمة، بشكل جذري في مخيلتهم ولا وعيهم. مما شجع الناس على اعتماد كل الأساليب الملتوية والخسيسة لبلوغ أهدافهم.

وحتى المِؤسسات لم تنج من هذه الظاهرة، فالأبناك مثلا تتعامل مع الزبناء وفق منطق الغش، والمجالس المنتخبة أساسها الغش والتدليس والوعود الكاذبة، وحتى العلاقات الزوجية نفسها يسود فيها النفاق والكذب.

وبالتالي فالمدرسة لا يمكنها أن تكون في منأى عن هذه التأثيرات، إذ من الاستحالة بمكان أن لا تخترق هذه القيم والمسلكيات الاجتماعية الفضاء المدرسي.

لذا فالتلاميذ كما أولياءهم يسلكون وفق “الهابيتوس الاجتماعي” ويتفاخرون بالغش والانتهازية والوصولية لأنهم يرون حولهم النماذج الاجتماعية التي نجحت بفضل هذا المسلك. وهكذا صارت فكرة النجاح بأي ثمن عادية بل ومقبولة إجتماعيا.

قيمة الأنانية أو “أنا وبعدي الطوفان”: أصبحت الأنانية تقليعة جديدة في مؤسساتنا التعليمية وفي المجتمع المغربي بصفة عامة. ولم يعد ينظر إليها كسلوك مشين أو مرضي أو كتصرف شاذ لا يليق بالفرد في مجتمع يتعايش فيه مع الآخرين ويتقاسم معهم العديد من الأشياء والقيم.

فالطفل منذ نعومة أظافره يتعلم كيف يكون أنانيا بشكل مفرط دون إعارة الاهتمام للآخرين. ذلك أن التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها تتمحور في مجملها على إسمه وترتيبه وملابسه والسيارة التي يمتلكها أبواه.

وما هو مطلوب منه في المدرسة هو النجاح الفردي والتميز عن الآخرين والاعتداد بالنقط والترتيب، وحتى الصداقة لا ينظر إليها إلا من باب المصلحة الشخصية. فالصداقة لم تعد كما كان يحلم بها أرسطو “صداقة فضيلة” بل هي صداقة منفعة.

تترسخ هذه القيم في نفسية الطفل والمراهق لاحقا، من خلال النماذج التي يتعلق بها في مجالات الرياضة والغناء والتي تعلمه أن الغنى السريع هو أهم شيء في الحياة وأن الشهرة أفضل من الشخصية و أن كل شيء يقاس بالمال.

وهكذا قيم هي الأكثر تداولا في عالم المشاهير. فالطفل يتعلم من المدرسة والأسرة أن شخصيته لا تقاس بمدى ارتباطه بالآخرين ولا بكيفية اندماجه وتكيفه مع الوضعيات المختلفة ولا بمدى انجازه لأعمال جماعية، بل بمدى حصوله على نقطة جيدة وعلى ترتيب متميز.

فالمهم هو الرصيد وليس الشخص. إن القيمة الأساسية التي ترسخها المؤسسات الاجتماعية في نفسية التلميذ هي أنه مركز كل شيء وأن الآخرين يجب أن يكونوا في خدمته دوما لكي يصير الأفضل( أمير أو ملاك أو جوهرة).

وهكذا أصبحت الأنانية المرضية في مجتمعنا، هي طريق الوصول السريع والآمن أو بعبارة أخرى هي الوسيلة الأفضل للنجاح والتميز والارتقاء الاجتماعي.
قيمة عدم الاعتراف بالآخر: إن طغيان السلوك الأناني المفرط والمرضي ليس وليد المدرسة بل هو تجسيد لنمط عيش جديد برز مع التطور المجتمعي الذي أفرز مواقف وسلوكات قائمة في مجملها على حب الظهور واستعراض الممتلكات وجنون العظمة والاستفراد بالرأي والمبالغة في تمجيد الذات، مقابل توجيه اللوم للآخرين واحتقارهم وتحميلهم مسؤولية كل الشرور، مع ما يستتبع ذلك من إعفاء الذات من تحمل مسؤوليتها.

وهذا السلوك يرسخ ظاهرة الهروب إلى الأمام وإلقاء اللائمة على الغير. وهكذا صار الآخرون هم مصدر كل المتاعب وسبب جميع المشاكل، ذلك أن الانتفاخ المرضي للأنا يحتم بالضرورة تقزيم الآخر.

لقد لاحظت في العقود الأخيرة سيادة هذه المواقف و السلوكات في الفضاء المدرسي الذي صار مرتعا للعنف والإقصاء، ذلك أن هذا الفضاء يمثل أحسن مكان لتصريف المواقف السلبية تجاه الآخرين، ولا أحد بمقدوره تغيير هذا الوضع في ظل الزحف المتنامي للأنانية أو لشعار “أنا وبعدي الطوفان” داخل نسقنا الاجتماعي ووسط المجتمعات الاستهلاكية بصفة عامة.

قيمة تقديس المظاهر: لقد سادت هذه القيمة من خلال الانتشار الواسع للثقافة الاستهلاكية و التي ترسخت في الأذهان عبر وسائل الاعلام ووصلاتها الإشهارية التي لا تنتهي. إن تقديس المظاهر أصبح أمرا عاديا ومقبولا إن لم يكن مستحبا داخل الأسرة والمدرسة والشارع.

فمعيار النجاح والشهرة هو المال، إذ أن العقلية السائدة تعير كبير اهتمام للممتلكات والمظاهر كالملابس والسيارات والمنازل وكل الأكسيسوارات التي تمنح “قيمة زائدة” لمن يمتلكها. فالمهم في مجتمعنا هو التشبث بالمظاهر واستعراض ذلك أمام الناس في كل المناسبات، ما دام الأفراد يعتقدون بشكل راسخ بأن ما يمنحهم قيمة هي الأشياء التي يملكونها وليست كينونتهم.

فالمؤسسات الاجتماعية كالأسرة والمدرسة ووسائل الاعلام رسخت في مخيلة الأطفال والشباب عبر التربية والتنشئة الاجتماعية أن الأهم هو: “ما لك” وليس “من أنت”.

بصيغة أخرى فكينونة الفرد لا قيمة لها أمام ما يملكه. فأن تملك وتستهلك هما معيارا النجاح والارتقاء الاجتماعي. ومن هنا نفهم لماذا يتفاخر تلامذتنا في المدارس بالعلامات التجارية التي تحملها ملابسهم وأحذيتهم، ولماذا يتباهون بنوع السيارة التي يمتلكها أباءهم، وكذا عدد النجوم التي يحملها الفندق الذي تنزل فيه عائلاتهم أثناء العطل.

قيمة تقديس المال وتبخيس المعرفة: تأسيسا على ما سبق فإن المال صار اليوم قيمة لا يعلى عليها، وهو المدخل الذي لا غنى عنه لتحقيق الذات وبلوغ السعادة في نظر جل الناس.

الشيء الذي يفسر لماذا يركض أغلبهم وراءه ويسعون إلى مراكمته بكل الوسائل الأخلاقية واللاأخلاقية. ذلك أن المال يصنع الشخص و المجد ويخلق السعادة التي ترادف عند بسطاء العقل المتعة اللحظية. والأمثلة على ذلك تبدأ برجال الأعمال والسياسة وتنتهي بالمشاهير في عالمي الغناء والرياضة والذين لم يتألقوا في مجالاتهم عبر الدراسة بل عبر المال والعلاقات مع أهل الجاه والنفوذ.

فالأموال التي راكموها في وقت وجيز هي التي حققت “مجدهم” وأهلتهم للشهرة. وهذا بالضبط ما يرسخ فكرة تبخيس المعرفة مقابل تقديس المال. وهكذا من الصعب ان لا تجد في أقسامنا الدراسية من الابتدائي إلى الثانوي تلاميذ لا يقدسون هثل هذه النماذج، فكل واحد منهم له نموذجه المفضل “son idole” الذي يعتز به.

وهي النماذج الأكثر تسويقا عبر الإعلام وسائل التواصل الاجتماعي، مما يعني أن الطفل أو المراهق لا يختار المعجبين وفق إرادته الحرة وميوله الشخصي، بل هو ضحية سلطة الصورة وضغط الجماعة اللذين يمارسان تأثيرهما ويساهمان في توجيه رغباته واختياراته وتحديد مثله العليا.

حين كان تلامذتي يسألونني عن نموذجي المفضل في عالم الغناء، أجيبهم دوما أن هناك عددا من المغنين يعجبونني ولست مولعا بواحد فقط، وأن ما يروقني في عالم الغناء ليس الشخص أي الفنان بل الكلمات والألحان والأداء، لأن ما يصنع مجد أغنية أو فنان ما هو اجتماع هذه المكونات الثلاثة، كما هو الشأن مع أم كلثوم أو فيروز أو مارسيل خليفة أو ماجدة الرومي أو عبد الهادي بلخياط أو عمالقة الجاز والموسيقى الكلاسيكية.

أما في عالم الرياضة فليس لي نموذج ، ذلك أنني أفضل اللعب بدل الأسماء ولا يهمني في شيء الرابح من الخاسر. فاللعبة هي التي تسليني وتمتعني وليس لاعبا أو فريقا بعينه. وفي الغالب ما كانت أجوبتي تستفزهم ولا تعجبهم بل وتبدو لهم غريبة إلى حد كبير.

ماذا يمكننا أن نستخلص مما سبق؟ إن أغلب التلاميذ وأوليائهم يؤمنون إيمانا راسخا أن المعرفة لا قيمة لها أمام سلطة المال وأن هذا الأخير هو الذي يصنع المجد والثروة والاحترام.

أما المعرفة فهي جسر فقط للعبور إلى عالم المال والغنى وما يرافقهما من سلطة وجاه. إن التحصيل والدراسة ليست لهما قيمة في حد ذاتهما بقدر ما أن قيمتهما نفعية ما دام أن المال هو الذي يصنع الانسان وهو المعيار الوحيد للتألق والنجاح.

قيمة الاستهلاك وحب الاشياء: تتميما لما سبق نلاحظ أن مجتمعنا يمنح أهمية بالغة للأشياء ويعلي من شأنها، إذ تم استبدال حب الأشخاص بحب الأشياء.

وهذه القيمة الجديدة هي بمثابة الوجه الآخر لثقافة الاستهلاك التي تميز المجتمعات المعاصرة. فالمهم ليس هو الانسان وما يحمله من مبادئ وقيم ومشاعر بل ما يستهلكه وما يملكه، إذ يقاس الأفراد بما يملكون وما يصرفون من أموال وما يقتنون من حاجات وما يشهرونه من ممتلكات.

لأن ثقافة الاستهلاك تتأسس على التملك وكذا على الافتخار والتباهي، ذلك أن هوس المستهلك بالدرجة الأولى هو إثارة إعجاب الآخرين. فثقافة الاستعراض توازي ثقافة الاستهلاك، بل إنهما وجهان لعملة واحدة. وهذه العملة هي الرائجة بقوة اليوم، عبر منظومة القيم السائدة في المجتمع.

خكخلاصة حول ما سبق لا بد من التأكيد على أن سيادة القيم سالفة الذكر ما هو إلا تعبير عن لاوعي جمعي مؤثث برغبات مكبوتة وعقد نفسية واجتماعية.

فالأفراد كما نعلم يحملون معهم معاناة الماضي، وللتخلص من تلك المعاناة وما ترتب عنها من عقد يسعى هؤلاء إلى الانتقام من ذلك الماضي .

فالشخص الذي كان في السابق يعاني من الفقر والحرمان صار يكره ذلك الوضع ويسعى بكل الوسائل إلى إبراز نقيضه، معتقدا أن ذلك سيمحي آثار الماضي بدون رجعة.

كما أن الفرد الذي تراكمت لديه الاضطرابات والعقد النفسية في فترتي الطفولة والمراهقة هو الذي يتصرف وكأنه غني أو زعيم أو عارف، في مسعى منه لمحو تلك المعاناة لأن أقرانه كانوا يهمشونه ويحتقرونه، معتبرين إياه صفرا أو لا شيئا.

هذه المعاناة لا يستطيع تجاوزها بشكل إيجابي لأنه غير مؤهل لذلك بالنظر إلى مستواه الفكري المتدني وضعف شخصيته. الأمر الذي يدفعه إلى تقليد الآخرين والتهرب من مواجهة الذات.

وهذا ما يفسر الغرور الزائد والمبالغة في الاعتناء بالمظاهر واستعراض الممتلكات، والتي لا تعدو أن تكون تعبيرا مرضيا عن عقدة الإحساس بالنقص.

*المكي بوسراو/ أستاذ الفلسفة بالثانوي سابقا

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى