السياسة

هل أضرب الشباب المغربي عن السياسة، أم حررها من أسر الأحزاب؟

  • ذ. محمد بادرة//

فمن له المصلحة على ان يبقى الشباب مضربا عن المشاركة السياسية ويستمر في ثقافة الاحتجاج خارج اسوار المؤسسات الحزبية والنقابية ؟

هل أضرب الشباب المغربي عن السياسة، أم حررها من أسر الأحزاب؟ - AgadirToday

اهتم كثير من الدارسين للظاهرة الحزبية في المغرب الى قراءة الوعي السياسي لدى الجماعات المختلفة خصوصا عند فئة الشباب ووقفوا كثيرا عند ظاهرة انخفاض مستوى المشاركة السياسية في صفوف الشباب الى حد يمكن نعت هذا الانخفاض بالإضراب عن العمل السياسي والحزبي لتسود حالة من اللاتسييس عند الشباب عكس ما كان عليه الامر في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات فتساءل العديد من هؤلاء الباحثين عن ما حدث بين فترات الستينات والسبعينيات والثمانينيات عندما كانت الشبيبة المغربية تناضل من اجل مجتمع الحرية والديموقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية وكان على راسها الحركات الطلابية (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب) وشبيبة الاحزاب اليسارية الديموقراطية واليوم نرى انخفاضا مثيرا في مستوى المشاركة السياسية… فماذا حدث بين الامس واليوم؟ فهل نشعر ان هذا الشباب ربما قد رجح كفة الاقتصادي والاجتماعي (العمل –  الرقي الاجتماعي – ..) على كفة السياسي والحزبي؟ فهل لم تعد لشباب اليوم قناعة سياسية؟ ام فقدوا الايمان في الاحزاب السياسية؟

هل شباب اليوم تنقصهم الخبرة السياسية؟ ام انهم يعطون الاولوية لاهتمامات غير سياسية مثل استكمال التعليم العالي والحصول على الوظيفة ولذلك فانهم لا يقومون بتطوير معرفتهم بالعملية السياسية بالدرجة نفسها التي كان فيها شباب الامس جيلا سياسيا يتحركون كقوة نشطة من اجل التغيير السياسي !!!!

في ظل تسارع التغير الاجتماعي والتكنولوجي ظهرت مؤشرات على تزايد الهوة بين الاجيال واتساع الفجوة التي تفصل رؤى ومنظورات شباب اليوم عن منظورات ورؤى  جيل الاباء و”شيوخ السياسة ” وتشير دراسات كثيرة الى تحولات ثقافية وسياسية كبرى يمر بها شبابنا اليوم حيث يتخذون مواقف سلبية من الاحزاب التقليدية ومن العملية الانتخابية والسياسية ومضمون هذه التحولات هو ان هناك نوعا جديدا من الجيل الشبابي المسيس اخذ في الظهور يرفضون السياسة كما تدار في الاحزاب التقليدية ولكنهم في المقابل ينجذبون نحو القضايا الاخرى مثل حقوق الانسان والبيئة كما ان شباب اليوم اخذوا مسافة بينهم وبين الكبار حين لا يسايرونهم في مجال القيم التقليدية مما قد يسبب في تمزيق النظام الاجتماعي.

قد تكون هذه الآراء وهذه الاحاسيس هي السائدة عند بعض الدارسين للظاهرة الشبابية في المغرب وقد تكون غير ذلك خصوصا عند شبيبة الاحزاب المغربية وخصوصا شبيبة الاحزاب الوطنية الديموقراطية الذين يقولون عن انفسهم انهم ورثة الحركة الوطنية وان كان ليست لديهم قناعات الماضي ويعبرون عن حماس اقل من الامس. وفي كل هذه الحالات فإننا نحس بان هناك خيبة امل عند هؤلاء الشباب الذين يمثلون جزءا حيا ومهما من المجتمع المغربي

هكذا يبدو من حدة هذه الانقسامات الجيلية انه تأسست لدينا اجيالا سياسية منها جيل الشباب وجيل “الشيوخ” وكل وحدة جيلية من هاتين تعاصر احداثها وتفسرها ايديولوجيا وثقافيا (الشيوخ) وتبررها اجتماعيا واقتصاديا (جيل الشباب) لكن دون تمزيق النظام الاجتماعي.

اذا كانت المشاكل اليومية وافة البطالة وغياب الافاق مسؤولة عن عزوف الشباب عن السياسة بمعناها المؤسساتي الا انه من الخطأ القول انه لم يعد هناك شباب مقتنع سياسيا لكن هناك جزء مهم من هذا الشباب له قناعة سياسية ويناضل بشراسة في جميع الواجهات الاجتماعية والمهنية والثقافية والبيئية والدراسية ( اضرابات طلبة كليات الطب – …) ويفترض ان هؤلاء الشباب _ الطلاب المحتجين قد يكونون قادة الحركة السياسية في المستقبل وربما قد لا تنتج هذه التجارب الاحتجاجية اثارا تجعل هذا الجيل اكثر كفاءة في تحمل مسؤوليات القيادة السياسية والحزبية في غياب وحدة ايديولوجية وحركة ثقافية تؤسس لرؤى ومنظورات ومرجعيات سياسية بديلة.  

ان تعاطي الشباب مع القضايا السياسية هو مشكل متعدد الاوجه اذ نجد بين الشباب العاطل من هم متسيسون بشكل قوي ويحتجون ضد الواقع السياسي وعلى النظام الاجتماعي القائم… فان يكون المرء متسيسا لا يعني الالتزام داخل حزب سياسي تقليدي اذ يمكن ان يكون اغلب هذا الشباب غير متفقين مع كل الاحزاب ولا ترضيهم طريقة عملها لكن هذا لا يعني انهم غير مسيسين …او ربما يكونون يسعون الى تحرير السياسة من اسر الاحزاب؟ !!

وقد يتساءل الاخرون هل للمجتمع المدني دور كبير في هذا العزوف الشبابي داخل الاحزاب؟ واذا كان الامر كذلك فهل يمكن ان نتحدث عن الاحزاب السياسية وعن المجتمع المدني وكأنهما وجهان متناقضان ؟

ان التناقض غالبا ما يكون اصطناعيا بين من ينتمون للمجتمع المدني ومن ينتمون للأحزاب السياسية فلدينا منظمات وجمعيات وهيئات مدنية متكاملة تزعم انها من المجتمع المدني وانها مستقلة عن الاحزاب السياسية لكن هذه الاخيرة (الاحزاب) تخترقها بطرق مختلفة  لذا فالعلاقة بين الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي تحركها قاعدة عريضة من الشباب  تبدو معقدة ولها ابعاد متعددة  لذا فان هذا الجزء الكبير من هذا الشباب لم تضرب عن السياسة وانما حاول فك اسرها من سجن الاحزاب وجعلها تلامس القضايا التي تهم هذا الشباب ( جمعيات المعطلين ذوي الشواهد _ جمعيات المعاقين _ جمعيات بيئية _ الدفاع عن المستهلك _ حماية المال العام ..) وبذلك فانهم فقد عبروا عن مناطق لم تكن تشغلها الاحزاب السياسية التقليدية تم اكدوا ان هناك مجتمعا مدنيا يحاول ممارسة السياسة في ثوب جديد.

وهنا تطرح قضية تجديد الخطاب السياسي وتجديد الطبقة السياسية ؟

يقول طوكفيل ” المستبد هو الاخر” اي ان الميكانيزمات التي تهيكل الاحزاب لا تختلف عن ميكانيزمات المجتمع  وهي ميكانيزمات مغلقة في وجه الشباب فهناك مشاكل دمقرطة المجتمع. اننا نهتم كثيرا بدمقرطة الدولة ونغفل الجانب الاخر من المسالة وهي مسالة دمقرطة المجتمع .. فبالإمكان ان يصاب الشباب بخيبة الامل من جراء طريقة عمل الاحزاب السياسية وغياب التناوب فيها على المسؤولية وعلى جميع المستويات كما من الطبيعي ان تعيد الاحزاب اعادة انتاج الاشكال المهيمنة وسيكون من غير المنطقي اعتبار الاحزاب جزرا معزولة لأنها هي نفسها تعيد انتاج السلبي والايجابي داخل المجتمع وبشكل عام يمكن القول ان هناك ثقافة “الشيخ” التي تقف سدا امام وصول “الدم الجديد ”  د. عبد الله ساعف- احاديث في السياسة المغربية ص 88

ويضيف الاستاذ ساعف انه غالبا ما يتم استغلال الشباب ككتلة تتيح امكانية تموقع او اعادة تموقع “القدماء” حين يتم استعمال المنظمات الشبابية الحزبية في صراع التيارات او صراع القادة “الشيوخ” ولهذا غالبا ما يشعر هؤلاء الشباب انهم منهكون بسبب هذه الصراعات  بل قد يصبح شبابنا من “الشيوخ” في النهاية لان هناك هدرا للطاقة في صراعات الارتقاء والضرورة الحتمية تقتضي ان تتجدد الطبقة السياسية ولو لأسباب بيولوجية !!

ان سوسيولوجيا الشباب ليست خطابا عن هذه الفئة ولا اختزالا للحياة السياسية في صراع بين الاجيال وان كان هذا الصراع يشكل ظاهرة مميزة تخترق الحقل السياسي المغربي  فلابد للإصغاء لطموحات الشباب لا لخنقها ولابد لمسايرتهم في طموحاتهم ومشاغلهم والعالم الذي يعيشون فيه 

لما استخلف الخليفة العادل (عمر بن عبد العزيز) قدمت له وفود كل البلاد العربية والاسلامية وكان بينها وفد اهل الحجاز فتقدمهم غلام لينوب عنهم في الكلام مع الخليفة فقال له عمر بن عبد العزيز (يا غلام ليتكلم من هو اسن منك ) فقال الغلام ( يا امير المؤمنين انما المرء باصغريه قلبه ولسانه فاذا منح الله عبده لسانا لافظا وقلبا حافظا فقد اجاد الاختيار  ولو ان الامر بالسن لكان هنالك من هو احق بمجلسك منك)  فقال عمر بن عبد العزيز (صدقت فهذا هو السحر الحلال …)

فإلى متى سيبقى الشباب خارج اسوار المؤسسات الحزبية؟ والى متى سيبقى المشهد السياسي والحزبي يسوده “الشيوخ” الذين لا يتخلون عن “كراسيهم” الا بشهادة الوفاة؟

انه لا يمكن تصور اي اصلاح للمؤسسة الحزبية وتأهيل الحياة السياسية دون اعادة النظر في الاليات التقليدية لإدارة وتدبير هذه المؤسسة الدستورية وهي اليات اتبثت فشلها في تدبير الاختلاف والاعتراف بالتيارات كما اتبثت فشلها في انتاج نخب سياسية جديدة بل انها حاربت وصارعت ضد تطور هذه النخب وعليه فانه لا يمكن الانتقال من حالة الجمود واللافعالية الى حالة التعبئة والتجدد الا بتجنيد  قوة الشباب كقوة للتجديد والتقدم والتغيير ثم حتى لا يبقى هذا الجيل الشبابي بعيدا عن العمل السياسي المنظم والمؤسساتي وحتى لا يبقى مكبوتا ومقموعا او مستمرا في ثقافة الاحتجاج خارج المؤسسات وان انغلاق افاق الاندماج في المؤسسات الحزبية قد تدفع اليائسين منهم الى الهروب او الانغماس في الهموم الشخصية او الهجرة او الانتحار او الانزواء..

وفي هذا الصدد اهتمت المؤسسة الملكية بموضوع الديموقراطية الداخلية للأحزاب على اعتبار ان غيابها يؤدي الى غياب الاليات القانونية والتنظيمية لتدبير الاختلاف وانتاج وتداول النخب على ادارة وتدبير وتجديد المؤسسة الحزبية ( خطاب 13 اكتوبر 2000)

ان الازمة عندنا ليست ازمة يسار او يمين كما يريد البعض ان يبررها وليست ازمة في وعي شبابنا وجماهيرنا بل هي ازمة قيادات ونخب عاجزة عن انجاز دورها في الظرف الراهن… اذن لابد من استشراف دور جديد للدولة وللأحزاب ويجعلهما بنية توليدية لأطر ونخب شبابية اكثر كفاءة واحسن تكوين تتوفر فيهم كل المواصفات الفكرية والنضالية والاخلاقية التي تمنح الفعل الحزبي قوة متوهجة.

فمن له المصلحة على ان يبقى الشباب مضربا عن المشاركة السياسية ويستمر في ثقافة الاحتجاج خارج اسوار المؤسسات الحزبية والنقابية ؟

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى