الثقافة

“نفذت الذخيرة وإنتهى الكلام”: مقولة مأثورة تحمل وطنية ووعي نضالي صادق، مات صاحبها فارغا

  • بقلم امحمد القاضي*//

التاريخ العالمي مليئ بمقولات عبارة عن حكم زمانها نطق بها رموز القيم الإنسانية، نساء ورجال، عبروا من خلالها على مواقف شجاعة، لخصوا بها محن حقب تاريخية، ودخلوا عبرها التاريخ البشري وظلت خالدة تتداولها الأجيال لقوة دلالتها ورمزيتها.

"نفذت الذخيرة وإنتهى الكلام": مقولة مأثورة تحمل وطنية ووعي نضالي صادق، مات صاحبها فارغا - AgadirToday

من منا في العالم الإسلامي من أقصى شرقه لمحيطه لا يذكر مقولة طارق بن زياد عند قيادة جيش عرمرم أثناء غزو أو فتح القارة الأوربية سنة 711م لنشر الإسلام؟

حين قام بحرق السفن في خطوة تكتيكية شجاعة، وخاطب جيشه: “أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم ….” أصبح بعد ذلك مضيق الجبل يسمى بإسمه، وسجل المسلمون تاريخ مجيد بالأندلس، وتركوا مآثر خالدة يعيش اليوم الإسبان على العائدات السياحية لملايين الزوار سنويا.

“لدي حلم”، “I Have a Dream” كان هذا عنوان خطاب، مارتن لوثر كينغ، القس الزعيم والناشط الحقوقي الأمريكي دو الأصول الإفريقية، ألقاه سنة 1963 في واشنطن في مسيرة شعبية شاحدة ضد العنصرية، عبر فيه عن حلمه ورغبته في أن يرى السود والبيض يتعايشون بحرية ومساواة وتجانس، ليدخل خطابه التاريخ الإنساني ويدرسه الطلبة في تحليل لحقبة زمنية في التاريخ الأمريكي.

“كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم”، حكمة تركها مهاتما غاندي المحامي والزعيم السياسي محرر الهند أمام غطرسة الإمبراطورية الإنجليزية التي قضت بالهند أزيد من ثلاثة قرون، إذ إستعمرت عدة دول حتى أصبحت مستعمراتها لا تغيب عنها الشمس، لتعددها وشساعة مساحتها. قهر القوة الإستعمارية البريطانية بحركية اللاعنف، والمسيرات السلمية، كخطة إنسانية متسامحة، وأسس من خلالها لفكر سياسي جديد بعيد عن العنف والميز العنصري.

"نفذت الذخيرة وإنتهى الكلام": مقولة مأثورة تحمل وطنية ووعي نضالي صادق، مات صاحبها فارغا - AgadirToday

عبد الله زاكور: “إتما القرطاس، إتما ووال”

بخصوص مقولة “إتما القرطاس، إتما ووال”، حكمة قالها بشجاعة قائد المقاومة بالأطلس الصغير الغربي، موحد القبائل المجاورة في معارك أيت عبدالله لردع المستعمر الفرنسي بجبال الأطلس، عبد الله زاكور عند أسره من طرف قائد الجيش الفرنسي بعد إستسلامه درءا لسفك الدماء. حيث لجأ الإحتلال الفرنسي لإستعمال الطائرات الحربية لكسر شوكة المقاومة الشعبية بسوس التي دامت لسنوات، إذ قصف في جريمة شنعاء ضد الإنسانية القرى، والأسواق الأسبوعية، والمخازن الجماعية، سقط خلالها أبرياء ومقاومين دفاعا عن الأرض والوطن في آخر معقل يدخله الإستعمار الفرنسي بالمغرب سنة 1934.

أن يصيح في وجه قائد جيش المحتل عند الأسر، ويبتسم عندما سأله “ماذا عساك أن تفعل أو تقول الآن؟” فكان جواب الحاج عبد الله زاكور: “نفذت الذخيرة وإنتهى الكلام.” أفقد خلالها قائد المعارك السوسي عبد الله زاكور نكهة الإنتصار للمستعمر.

أن تحمل من الشجاعة مايكفي لتصيح في وجه المحتل في تلاثينية القرن الماضي، وأنت لا تملك من السلاح سوى بنادق مهترئة، ومن اللباس سوى السلهام الصوفي ونعل من جلد المعز من الصنع المحلي ومن القوت اليومي سوى الشعير، العصيدة وكأس الشاي وبعض الكسكس ب”خيزو قورن” (الجزر المجفف)؛ وفي زمن كان “أرومي” أي الأجنبي وجه غير مألوف ومهاب، ويحمل من العتاد القتالي المتطور والتجربة الحربية والمعرفة العسكرية الأكاديمية ما يخيف به العالم؛ يجب أن تحمل من الشجاعة والوطنية وقوة العزيمة ما لا يملكه عدوك، وما يجب أن يخلدك به التاريخ.

"نفذت الذخيرة وإنتهى الكلام": مقولة مأثورة تحمل وطنية ووعي نضالي صادق، مات صاحبها فارغا - AgadirToday

عبد الله زاكور زعيم مرحلة قاسية من تاريخ الوطن، لم ينل حقه كمقاوم، عاش ومات فارغا ومات أبنائه دون أن يفخروا برجل جسد الوعي النضالي بحس وطني بالقرى النائية نواحي تارودانت. قاوم بدون طمع في المقابل، ولم ينل رسميا صفة مقاوم، ولم يطلب بطاقة المقاومة، ولم يحضى حفدته شرف جهاد جدهم. في حين يدعي البعض بالحواضر شرف المقاومة وتنعم عائلاتهم في ريعها، والله أعلم هل حقا له شرفها.

للأسف المقولة مرت في صمت، دون أن تخلد، دون أن يذكر التاريخ الوطني قيمتها الإنسانية. فإذا كان العالم، و المغاربة بالخصوص، يحفظون عن ظهر قلب المقولات السالفة الذكر، فلأنها تدرس في المدارس والجامعات، وتكرس في المحافل وتذكر في المناسبات والخطابات وأخذت حظها في المقررات المدرسية والأبحاث الأكاديمية، إلى أن نقشت في التاريخ، وغرست في الأدهان، وظلت خالدة على مر الأزمنة. لماذا أغفلنا قولة زاكور الشجاعة، وسقط مقاومة سوس، ومعارك أيت عبد الله من مفخرة الإسهامات الوطنية ضد المستعمر، وغاب إسم زاكور من بين الرموز الوطنية أمثال عبد الكريم الخطابي وغيره؟

ونحن في أمس الحاجة إلى إحياء وتكريس وتدريس أبعاد ومغزى مثل تلك المقولة التاريخية لرفع همم الناشئة خاصة أمام من يتربص بالوطن.

مناسبة الملتقى الأول لذاكرة المقاومة بالأطلس الصغير الغربي، الذي خلدته مجموعة من الإطارات المدنية بشراكة وتعاون مع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الأسبوع الماضي بكل من أيت عبد الله، إداوكنضيف، تفراوت وأملن بجبال الأطلس الصغير الغربي والذي ترك أثر جد إيجابي ميدانيا وفي النفوس، يحمل رسائل لكل من يهمه الأمر، ويدخل في إطار رد الإعتبار لرموز المقاومة وكفاح أهل سوس في الدفاع بكل وطنية عن بقعة من ربوع هذا الوطن.

للبلد رجالات ملك للوطن والإنسانية، السكوت عن ذكرهم وتخليذ ذاكرتهم، جريمة أخرى ضد الموروث التاريخي للأجيال الصاعدة.

*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى