الثقافةالرأي

نتفليكس…هل هو موت معلن للسينما!

  •  محمد بكريم//

في إطار تحقيق صحفي لفائدة موقع الكتروني اخباري رصين طلبت مني صحافية رأيي فيما يخص غياب او عذم حضور بارز للأفلام المغربية ضمن المنصة نتفليكس وهل يعود ذلك لمسألة “الجودة”…وربما فاجأها جوابي المباشر عندما قلت “انه خبر جيد بل انه  من حسن حظ السينما المغربية”…جواب يستند في الحقيقة لموقف نقدي اتجاه سياسة المنصة باعتبارها رأس رمح منظومة صناعة الفرجة العالمية والتي يتم تصريفها عبر مجموعة من الممارسات التي يمكن تلخيصها بالقول بان المشاهد والمبدع رهائن لدى هذه المنظمة تفتي ماذا سيشاهده المتلقي (المنخرط المغربي لا يستفيد من نفس العرض المقترح على المنخرط الأوروبي مثلا) وتضع للمبدع دفتر تحملات يخضع لمقاييس لا علاقتها بسؤال “الجودة” (المصطلح المتداول في الاعلام بدون ان تكون له مشروعية في سياق النقد السينمائي)…

والسؤال اصبح ذا بعد كوني عندما استطاعت المنصة اختراق الإنتاج السينمائي تدريجيا ثم انتقلت الى السرعة القصوى في سياق ظرفية كوفيد (شخصيا هي الظرفية التي انخرطت خلالها بالمنصة) وحققت مكاسب مهمة.

فمثلا  للسنة الثانية على التوالي يطرح مهرجان البندقية سؤالا وجوديا على قطاع السينما وذلك باستضافته ضمن مسابقته الرسمية أفلام من انتاج منصة نتفليكس.

في دورة سابقة حقق الموسترا (وهو أعرق تظاهرة سينمائية) ضربة إعلامية و سبق مهني فريد عند منحه لجائزته الكبرى (الأسد الذهبي) لفلم “روما” للمخرج المكسيكي الفونصو كوارون (تم عرضه في مراكش حينها في اطار الغزل المتبادل الذي بدأ حينها بين مهرجان الحمراء مع المنصة)). وقد اعتبر الحدث مثيرا لأن الفلم أنتج خصيصا للعرض للجمهور المشترك في المنصة الأمريكية في حين أن العرف السائد هو أن المهرجانات السينمائية مناسبة لتقديم أفلام موجهة بداية للتوزيع التجاري على شبكة القاعات السينمائية.

بل تشكل هذه المهرجانات موعدا للموزعين والمستغلين للتسوق وعقد صفقات مع المنتجين لبرمجة أفلامهم حسب نسق متفق عليه ينظم عملية بث الافلام وهو المعروف ب”كرونولوجيا الوسائط” . يخضع عرض الفلم حسب ترتيب يضع القاعة السينمائية في مقدمة الموزعين. وتعتبر فرنسا من أكبر المدافعين عن هذه المنظومة الخاضعة لضوابط صارمة وترتيب زمني دقيق:

– العرض الأول: القاعة السينمائية

– بعد أربعة أشهر : فيديو تحت الطلب/ قرص دف د

– بعد 10 أشهر قناة كنال بليس

–  بعد 22 شهر: القنوات الشريكة في انتاج الفلم

– بعد 30 شهر: القنوات الأخرى

– بعد 36 شهر: فيديو تحت الطلب (مؤدى عنه)

– بعد 48 شهر: فيديو تحت الطلب (مجانا)

هذا النظام الدقيق الذي سمح لفرنسا ان تعرف حركية سينمائية متميزة ز وتيرة انتاج مستمرة وإقبال منقطع النظير على القاعات السينمائية (أكثر من 200 مليون تذكرة نباع سنويا).

غير أن رياح التغيير بدأت تهب بقوة قادمة من الولايات المتحدة زارعة بذور الشك في منظومة ربما تظهر ملامح محدوديتها.

ففي أواخر سنة 2007 وعلى اثر إغلاق شركات سينمائية كبرى (بارامنت, مراماكس, نيو لاين…) اثر عجزها التجاري ورغم النجاحات الفنية لبعض أفلامها (من انجاز مثلا الأخوين كوين أو بول توماس اندرسون…) ستظهر وفق المنظومة الرأسمالية الجشعة شركات ستضع نظاما استغلاليا جديدا يتجاوز العرض التقليدي للقاعة السينمائية بتوفير تحت الطلب.

وسمح هذا الأسلوب الجديد في توصيل أفلام محدودة التوزيع إلى جمهور متعطش لتنوع في العرض, فمثلا منذ البداية وضعت نتفليكس نصب عينها 300 ألف إيراني المقيمين بالولايات المتحدة وفي هذا الاتجاه قامت باقتناء جميع الأفلام المتوفرة لدى الموزعين.

ونتفليكس تعتمد مقاربة ثقافية في تنظيم سوق مشتركيها (توجه سائد داخل جزء من النخبة الأمريكية المتشبعة بنظرية “الدراسات الثقافية كولترال ستوديز”). و يتجلى ذلك حضور العربية في ترجمات عموما جيدة في العرض الموجه للناطقين بالعربية مع توفر مجموعة من عناوين أفلام و سلسلات قادمة من الشرق الأوسط.

إننا أمام تحول تاريخي لم تعد فيه القاعة السينمائية الوطن الأصلي للفلم السينمائي. و قد تبدو مجتمعاتنا خارج هذا النقاش فسينمانا “تعيش” من زمان بدون سوق داخلية. ف 95 في المائة من مدننا لا تتوفر على قاعة عرض سينمائي. ولا ننسى ان قانون اللعبة واضح الكونية تبا من المحلية وهو الشعار الذي استحوذت عليه المنصة “لتكن عالميا ، كن محليا”.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى