الثقافة

مهرجانات ام مسكنات: صمت المرأة الأكثر صخبا من الصوت في سوس

بقلم امحمد القاضي *//

إن تنظيم المهرجانات ليس أمرًا سلبيًا في حد ذاته، بل قد يكون أداة فعالة لتنمية السياحة المحلية وتحقيق إشعاع ثقافي واقتصادي، وتعبير عن الحق الفرجة.

غير أن المشكلة تكمن في فقدان التوازن بين الاحتفال والاهتمام بالهموم الأساسية للمواطن، والمزج بين الفرجوي والمنفعي، وخاصة ما ستتركه المهرجانات لقاطني الجبال كعمل موازي له أثر مستدام.

عندما يُغيب الإنسان من السياسات التنموية المحلية وتُقدَّم المهرجانات كأولويات مناسباتية على حساب تحسين شؤون القرية، فإننا نكون بصدد تسويق الوهم بدل المساهمة في بناءا واقع أفضل.

الملاحظ أن الأغلية الساحقة من سهرات الدواوير المتنافسة في تقديم عروض فرجوية متميزة، سهرات ذكورية مؤدى عنها يغيب فيها حق المرأة في المشاركة.

إلى زمن قريب كانت المرأة، من خلال أحواش نتفرخين (الفتيات)، حاضرة بقوة في السمر الفرجوي للدواوير. حاضرة في عروض إستعراضية حافظة لهوية وعادات أهل البلد، بلباسهن المحلي المتميز، تملحافت الناصعة البياض، وحلي الفضة من إبداع صناعة عريقة متوارثة ونعال تقليدية خاصة بالمناسبات.

مشهد أحواش الفتيات يجمع بين الحضور القوي للمرأة في المجتمع الأمازيغي ومكانتها الإعتبارية داخل الاسرة والقرية، والبعد الرمزي الدال على المشاركة النسوية الجماعية في كل مناحي الحياة.

المراة في أسايس تعبير عن القدرة في الإبداع الفني بالكلمة الموزونة في نظم الشعر بإيقاع فولكلور الأعالي والرد الغنائي الموسيقي العفوي ورقص متكامل الحركات وصوت سجي يقهر الظلام ويكسر سكون الليل وتردد جبال الأطلس صداه.

غابت المرأة بعد أن كانت تصنع الفرجة العفوية وتنافس الرجال بل تتقدمهم في عمل الحقول وتشارك في أخذ القرارات الفلاحية وتحدد تواريخ بداية الحرث والحصاد.

غياب المرأة السوسية في مسرح الفرجة تمرد على واقع مرير، لم تعد ترضى لنفسها دل العيش على الهامش، فإما أن تسجل حضور مستحق وفي الريادة أو تنزوي نحو منصة المتفرجين. الإنسحاب تعبير عن رفض الإهانة. الفتيات يخجلن الرقص بدون إستحقاق، الرقص عندهن تتويج ومكافأة لعمل ميداني مستحق.

من أكثر الفئات تهميشًا في هذا المشهد المتناقض بين الاحتفال والتهميش، المرأة القروية، التي تُعدّ الفاعل الصامت في التنمية الفعلية، لكنها تُغيب تماما عن صُنع القرار، ولا تحضر إلا كرمزية فلكلورية في معارض المنتجات المجالية وخيم المهرجانات، وتقديم الورد في الزيارات الرسمية، وكعناصر مكملة لمقاعد إنتخابية.

النساء في مناطق الاطلس الصغير هن الساكنة المقيمة بشكل دائم في القرى، والأقل إستفادة من مردودية المهرجانات العابرة والمتعددة والمتناسلة.

تأتي فرق أحواش الرجالية ليلا لتؤتث السهرة ويؤدوا دورهم في رقص متكرر الإيقاع لبضع ساعات وتأخد الفرقة مستحقاتها وتغادر قبل طلوع الفجر كمن قام بعملية إغتيال إستخباراتية وسط ليل دامس، في إغتيال صريح لحق المرأة بأدرار في المشاركة والإستفادة.

ويبقى صمت المرأة القروية الرمزي صوت أكثر صخبا من ضجيج مكبرات الصوت بمنصات السهرات، فهل من مستمع يحلل شفراته؟

* امحمد القاضي رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى