
مهرجانات أكادير بين زمن الإبداع وواقع الابتذال: من ذاكرة الفن إلى مسرح العبث
- بقلم: حسن كرياط //
في زمنٍ غير بعيد، كانت مدينة أكادير، عاصمة سوس العالِمة، منارة إشعاع ثقافي وإبداعي بامتياز. مهرجاناتها كانت موعدًا ينتظره الجمهور المتعطش للفن الهادف والفكر الراقي، فاحتضنت المدينة ملتقيات وطنية في الشعر، وفعاليات مسرح الهواة، والأيام الربيعية لحقوق الإنسان، وغيرها من التظاهرات الثقافية التي عكست وعي الشباب السوسي بقضايا مجتمعه، وحرصه على التعبير عنها بأساليب راقية تحترم ذوق الجمهور وتغذي وجدانه.
لكن، وللأسف، تغيّرت الصورة اليوم. فقد تحوّلت معظم المهرجانات التي تُنظّم في أكادير إلى مجرد واجهات للفراغ والابتذال، تُرفع فيها شعارات الثقافة زورًا، بينما مضمونها لا يمتّ بأي صلة لروح المهرجان كمفهوم ثقافي وتنموي. اختُزلت المهرجانات في عروض سطحية تُركّز على الترفيه الاستهلاكي، على حساب العمق الفني والفكري، وتحولت إلى منصات لترويج التفاهة، بتواطؤ مكشوف من مؤسسات مانحة همّها الأول والأخير هو تصفية حسابات سياسية أو تحقيق حضور انتخابي، لا غير.
لقد صار الدعم يُمنح بناءً على الولاءات، لا بناءً على جودة البرنامج أو صدق الرسالة الثقافية. الجمعيات التي تُنظّم هذه الفعاليات، غالبًا، لا تملك مشروعًا ثقافيًا حقيقيًا، بل تُسخّر المهرجانات لخدمة أجندات ضيقة، فيما يتم تهميش الكفاءات الحقيقية والطاقات الإبداعية التي تزخر بها المدينة.
هذا الانحراف في الفعل الثقافي أدى إلى قطيعة واضحة بين الجمهور السوسي والمهرجانات المقامة باسمه. فقد فقدت هذه التظاهرات معناها وجدواها، وبات حضورها يُقابل بالسخرية والنفور بدل الانخراط والدعم. الجمهور اليوم أكثر وعيًا من أن يُخدع بالشعارات الفارغة والبرامج المرتجلة، وأكادير، التي كانت في الأمس القريب حاضنة للإبداع والاحتراف، أصبحت اليوم ضحية مهرجانات تفتقر للهوية والرؤية، وتساهم في نشر ثقافة الرداءة.
إن المسؤولية هنا لا تقع فقط على عاتق المنظمين، بل تشمل أيضًا الجهات الداعمة، التي يُفترض فيها أن ترعى الفعل الثقافي الجاد، لا أن تُمَوّل العبث. كما أن النخب الثقافية مطالبة باستعادة زمام المبادرة، والدفع نحو تصحيح المسار، حماية لذاكرة مدينة عرفت كيف تُبدع حين كان الإبداع شرفًا لا صفقة.
فهل من أمل في أن تستعيد أكادير مجدها الثقافي؟ وهل من مبادرة جريئة لإعادة الاعتبار للمهرجان كرافعة للتنمية الثقافية، لا كوسيلة للاستهلاك الدعائي والسياسي ؟

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News