السياسة

من إرث أحمد الدغرني إلى مستقبل العمل الأمازيغي

  • عبد النبي ادسالم //

في لحظة فارقة من تاريخ المغرب السياسي والثقافي، لا يسعنا الحديث عن النضال الأمازيغي دون التوقف عند شخصية بارزة، اختارت أن تسير عكس التيار، متحدية المحظورات، حاملة همّ شعب وثقافة وهوية. أحمد الدغرني. رجل قانون، مفكر، ومناضل، وقبل كل شيء، أمازيغي آمن بأن ممارسة السياسة ليس فقط وسيلة للحكم، والبهرجة ولترديد شعارات المرجعيات وأخذ الصور هنا وهناك، بل أداة للتحرر والتغيير.

عُرف الدغرني بمسيرته الطويلة في الدفاع عن الحقوق الأمازيغية، ليس فقط من داخل المغرب، بل عبر المحافل الدولية حيث أوصل الصوت الأمازيغي إلى منابر كانت إلى وقت قريب تعتبر القضية الأمازيغية شأناً داخلياً. أسس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي كأول محاولة لترجمة الوعي الهوياتي إلى مشروع سياسي مؤطر. وبالرغم من كل ما وُوجه به من تضييق، بما في ذلك حلّ الحزب بقرار قضائي، لم يتراجع عن قناعاته، ولم يساوم على مبادئه.. ولم يردد يوماً بأنه أخطأ في مسار حافل من التضحيات والتعقل والرزانة والنضج الفكري.

اليوم، ونحن نعيش في سياق الشعارات والبحث عن البوز، دون هدف محدد ولا استراتيجية عمل محكمة، ولا إرث سياسي مستقل، لا ينبغي أن نُخدع ببهرجة التصريحات والشعارات والمرجعيات دون جوهر. من الواجب أن نستحضر تجربة الدغرني، لا كذكرى نضالية عابرة، بل كدرس سياسي عميق. خطؤنا الأكبر سيكون في اجترار الأكاذيب على الأموات وتضليل الفاعلين بأنه ترك (وصية عدم تكرار أخطاء الدغرني) ومحاصرة الفكر السياسي الأمازيغي كلما حاول أن يعبّر عن نفسه بعيداً عن “البورصة” ومن يعطي “التزكيات”!.

إن تكريم أحمد الدغرني لا يكون بتعليق صوره أو ذكر اسمه في المناسبات، بل في استكمال المشروع الذي بدأه مع الحزب الأمازيغي، واستقلاليته وتضحياته وإصراره على حمل مشروعه السياسي “الحزب الديمقراطي الأمازيغ” علينا ألا نعيد إنتاج نفس السياسات الإقصائية التي واجهها، ونفتري عليه اليوم بأنه ترك وصية لأفراد لا علاقة لهم بالدغرني.

المرحلة القادمة تتطلب شجاعة تنظيمية وفكرية تُعيد طرح الأسئلة التي طرحها الدغرني، بصيغ جديدة، في ظل تحولات العالم وسياقات المغرب المتغيرة. وهذا يبدأ بالوعي بأن النضال من أجل الأمازيغية لا يكتمل إلا عندما يُعترف بحقها في التنظيم السياسي المشروع، وأن الخطوة الأولى نحو التقدم هي الاعتراف بالأخطاء التي ارتُكبت في حق مناضلين أمثال الدغرني.

لن نكرر أخطاء الماضي. لن نخذل ذاكرة رجلٍ ناضل لوحده حين سكت الآخرون. ولأن التاريخ لا يُعيد نفسه، بل يُعيد صياغة الدروس، فلنحرص أن نكون من الذين تعلّموا، لا الذين يفترون على الأموات باسم “المرجعية الأمازيغية “!!
عبد النبي إدسالم

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى