
من أجل عقد أخلاقي جديد: هل تنقذ الإيكولوجيا السياسية ما تبقى من مشهدنا الحزبي؟
- بقلم: حسن كرياط//
في زمن التحولات السريعة والتحديات المتزايدة التي تعصف بالمشهد السياسي المغربي، تبرز الحاجة الملحة إلى تأسيس ما يمكن أن نسميه بـ”إيكولوجيا أخلاقية” تؤطر الفعل السياسي، وتعيد ضبط بوصلته ضمن إطار قيمي واضح. فنحن على أعتاب استحقاقات انتخابية جديدة، في ظرفية دقيقة تقتضي أكثر من أي وقت مضى إعادة النظر في المنطلقات الفكرية التي توجه العمل الحزبي، بعد أن فقدت نخبه الكثير من شرعيتها الرمزية والشعبية.
لقد أصبح الخطاب الشعبوي الرائج، والممارسات السياسية الموسمية، واللقاءات الشكلية سواء على المنصات الرقمية أو في الواجهات الإعلامية، جزءًا من مشهد حزبي مأزوم، تسوده الارتجالية وتغيب عنه الرؤية، وتتفكك فيه الصلة بين المواطن والنخب التي من المفترض أن تمثله وتدافع عن مصالحه. بل إن هذه النخب باتت تتعامل مع السياسة كصفقة عابرة، لا كفعل نضالي مسؤول يُعلي من شأن الصالح العام.
هذا الانحراف في السلوك السياسي، والمحدودية الفاضحة في أداء عدد كبير من النخب في تدبير الشأن المحلي والوطني، عمّق الفجوة بين المواطنين والفاعلين السياسيين، ودفع بالكثيرين إلى التراجع والانكفاء، بعد أن خذلتهم نخب لم تعد تعبّر عن تطلعاتهم ولا تحترم ذكاءهم الجمعي. وهو ما يستدعي اليوم وقفة جادة ومسؤولة لإعادة التوازن إلى الحقل السياسي، عبر التأسيس لعقد أخلاقي جامع يكون بمثابة مرجعية ضابطة لأداء الفاعلين، وموجهة لممارساتهم وخطابهم.
إن الإيكولوجيا الأخلاقية للسياسة، كما أراها، يجب أن تكون إطارًا قيميًا يعيد الاعتبار للفعل السياسي النبيل، ويحصّنه ضد كل أشكال الابتذال والتسويق الشعبوي، ويمنح الأمل للمواطن المغربي بأن التغيير ممكن، وأن السياسة ليست فقط واجهة للمتاجرة بالمبادئ، بل أداة لبناء دولة الحق والقانون، قائمة على التنافس الشريف، والمشاريع التنموية الواقعية، لا على الشعارات الفارغة والوجوه المستهلكة.
إننا أمام لحظة فارقة تتطلب شجاعة فكرية وأخلاقية من كل الفاعلين السياسيين، لإعادة بناء الثقة المفقودة، وتحقيق المصالحة مع المواطن، وإرساء دعائم مشهد سياسي يرتقي بالفعل الديمقراطي، ويجعل من السياسة فعلاً يخدم الوطن والمواطن لا وسيلة للاستقواء والتربح.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News