منظمة تاماينوت فرع إنزكان: ثلاثون سنة من النحت في الصخر..
- بقلم : اد. محمد همام //
بدعوة كريمة من الصديق محمد المخ ومن أعضاء مكتب منظمة تاماينوت، فرع إنزكان، حضرت الحفل الختامي لملتقى الثقافة الأمازيغية، بمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس فرع إنزكان: 1993-2024.
حفل يختزل الماضي و الحاضر والمستقبل في رؤية هذه المنظمة العتيدة والعنيدة. نشأت منظمة تاماينوت في سياق ايديولوجي حاد في المغرب، لم يكن يسمح بالخروج عن نزعة قومية غير مبيأة تتبناها الدولة وكذا معارضوها من اليسار ومن الإسلاميين.
لذا لم يكن غريبا أن تبلور المنظمة هي نفسها، في سياق رد فعل حاد، ايديولوجية حادة ومخاصمة للدولة ولبعض القوى السياسية، سواء من الموالين للدولة أو من المعارضين لها.
قدم أغلب مناضليها، المؤسسين أقصد، من اليسار، في شبه رحلة عذاب أيديولوجي، من خلال حمل أثقال أشواق التحرر الذاتي، وإحقاق الحقوق اللغوية والثقافية للأغلبية الأمازيغية المستضعفة والصامتة، والموضوعة في صناديق حديدية من التمثلات، تجعل الأمازيغي(الشلح) في درجة أدنى في المواطنة والحقوق وكذا الذكاء الاجتماعي، وربما حتى في الولاء للدولة ولأيديولوجيتها القومية غير المبيأة مع المجال التداولي المغربي.
ووجد المؤسسون الأمازيغيون الرحل لتاماينوت في الوقت ذاته أنفسهم يحملون أثقالا أيديولوجية أخرى في مقدمتها (الثقل اليساري) ظانين في البداية أنه سيساعدهم في تجذير النضال من أجل الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، وأنه سيقدم لهم النموذج الإرشادي(Paradigm ) بما يرسم الرؤية وينير الطريق.
وسيكتشفون أنه بقدر توغلهم في النضال في مجتمع مغربي مركب بقدر تضاؤل القيمة التفسيرية للإرث النظري والنضالي اليساري الذي اكتسبوه من تجربة سابقة لها خصوصياتها وأشواقها وٱمالها وٱلامها وانتظاراتها.
وجد المناضل المؤسس في تاماينوت نفسه في حالة (وعي شقي أيديولوجي)؛ بين أشواق نضال من أجل الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية في المغرب، وبين ذخيرة أيديولوجية أقل تفسيرية وتفاعلية في هكذا سياق.
كل هذا سبب ارتباكا نظريا وعمليا في حركة النضال الحاد والعنيد التي عاشتها منظمة تاماينوت. فهي من جهة أيديولوجية نظرية حركة يسارية تتكلم الأمازيغية، ومن جهة أخرى حركة ثقافية بمواقف سياسية ناصعة في نقد سياسة الحكومة في مجال الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية، فهي أقرب إلى حركة معارضة ثقافية، ومن جهة أخرى هي حركة مدنية منخرطة في صراع أفقي مع الجمعيات المدنية ذات المنزع القومي غير المبيأ. ومن ضمن من اصطدمت معهم المنظمة الحركات اليسارية نفسها.
لقد سبب المناضلون المؤسسون لحركة تاماينوت ارتباكا أيديولوجيا على المستوى النظري، وانعكس هذا الارتباك، في رحلة تاماينوت النضالية، في الخطاب، وفي الحركة والفعل، وفي المواقف.
لذا ظل سؤال المرجعية مقلقا في المنظمة بما كان له السبب في خصومات داخلية وفي مواقف غير مدروسة وفي انشقاقات مؤثرة سلبا على المقاصد الكبرى والأشواق الأولى في إحقاق الحقوق اللغوية والثقافية.
كما جعل هذا الارتباك المرجعي المنظمة عرضة للنهب الأيديولوجي، وتحميلها مسؤولية بعض المواقف الراديكالية هنا وهناك. فقد حملها الٱخرون (أجنحة من اليسار على الخصوص، وأجنحة من اليمين الحزبي الأمازيغي) مواقف ومسلكيات، أدت فيها تاماينوت الثمن غاليا من رصيدها ومجهودها وحرية مناضليها، وأخذ الٱخرون المغانم السياسية!!
إن تاريخ نضال منظمة تاماينوت هو تاريخ ٱلامها وقلقها. فلم يترك لها الوقت للتفكير المتأني في مرجعياتها التي استصحبها مناضلوها المؤسسون معهم إليها.
لقد وجدت المنظمة نفسها من اليوم الأول في لجة الصراع، وفي قلب زوبعة معقدة، فكانت جزءا من كل ذلك. ولكن وفي كثافة الغبار الأيديولوجي في مغرب العقود الماضية خصوصا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي ظلت تامتينوت تقاوم على قوارب صغيرة في خضم واقع/ بحر متلاطم بأمواج من الايديولوجيا والعنف، واستطاعت أن تحافظ على وجودها برسالتها الوجودية في الدفاع عن الحق اللغوي والثقافي الأمازيغي، وهو حق في الوجود والحياة.
فجاءت جمعيات كثيرة(كبرى) ومدعومة بلا حدود، ماليا وأيديولوجيا،وذهبت، وبقيت تاماينوت صامدة تقاوم بإمكانيات منعدمة، وبرغم التضييقات الأيديولوجية والإدارية غير المحدودة.
مازالت منظمة تاماينوت تقاوم وتناضل، برغم أن القلق الأيديولوجي مازال قائما، ولا اعتقد أنه تم التفكير فيه بجدية، وبرغم ذلك وقع تطور في أداء المنظمة وفي فعاليتها وفي علاقاتها وفي مواقفها، ليس بسبب منظومة الأفكار، الأيديولوجيا، بنظري، ولكن بسبب التحولات البشرية في الجسم التنظيمي والنضالي للمنظمة على المستويات المحلية وفي الميدان وليس في عالم الأفكار؛ إذ برزت فئة جديدة من المناضلين متخففة من سياق التأسيس ومن أيديولوجيا وكاريزما وتاريخ المؤسسين.
فئة منفحتة بشكل عملي وموضوعي على واقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي بكل أطيافه وتنوعاته. كما برزت فئة جديدة من الباحثين الأكاديميين الذي تربوا في محاضن المنظمة، لكن تكوينهم الأكاديمي في الثقافة واللغة والتاريخ والمناهج حررهم من مرجعيات المؤسسين ومن ثقافة التأسيس ، وخلصهم من العواطف التنظيمية، ومن لذة الانتماء ، وفتحهم على الأسئلة المحرقة، وعلى الواقع الموضوعي.
لمست هذه التحولات في حفل الذكرى الثلاثين لتأسيس فرع المنظمة بإنزكان؛ فقد وجدنا أنفسنا أما فئة شبابية قيادية، نساء ورجالا وأطفالا، تشبه مجتمعها، وتتكلم بلغته ورموزه، وتحفظ تنوعه، في جو من الانتماء المفتوح غير المتوتر، كما عهدنا في العقود الأخيرة من القرن الماضي.
نعم، تغيرت تاماينوت، وأصبحت أكثر تداولية، وأكثر فاعلية في واقعها، وأكثر تواصلا مع محيطها ومع مكوناته.
وكم كنت أعجب للشباب والشابات من تاماينوت يمرون، ذهابا وإيابا، في قاعة الحفل، وهم في عمر الزهور، بجوار مناضل صلب وعنيد اسمه حسن اد بلقاسم، وهو منزو في ركن في القاعة، لايعرفون أنهم يمرون بجوار مؤسس تكاد تكون تاماينوت جزءا أصيلا من تاريخه ومن عناده ومن صلابته هو؛ فقد طبعها بمرجعيته وبتاريخه وبمواقفه حتى كادت أن تصبح هي هو.
ولكن أن لايعرفه شباب وشابات تامتينوت في2024 فهو مؤشر بنظري من أجل التغيير الكبير وتسليم المشعل لشباب المنظمة من دون نسيان تضحيات المؤسسين لتامينوت؛ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا.
بقلم : اد.محمد همام
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News