الرأيالمجتمع

مناسبة ذكرى المولد النبوي..

  • ذ. الحسن زهور //

المناسبة هي مناسبة للإصلاح والتجديد والتنوير لما فيه مصلحة الانسان في مجتمعاتنا الاسلامية.

المناسبة هي الإستذكار والتذكير بالغاية التي من أجلها بعث أو ظهر الانبياء والمصلحون والمتمثلة في اصلاح المجتمعات البشرية بتجديد القيم الإنسانية وتنقيحها، وتغيير واقع الانسان نحو الافضل كإنسان، وفك القيود والاغلال عنه.

فلكل أمة أنبياؤها ومصلحوها، ولكل زمان خصائصه ومميزاته التي لا تشبه خصائص الأزمنة قبله لأن التاريخ لا يعود إلى الوراء.

لنجعل من هذه المناسبة مناسبة للرجوع الى هذه الغاية النبيلة قبل أن يقيدها رجال الدين والكهنوت في معابدهم لتحقيق مآربهم الدنيوية أو المآرب السياسية للحكام فصنعوا من الدين الكثير من القيود المكبلة لحرية وكرامة الانسان بدلا من تحقيق غايته الوجودية والروحية والانسانية.

فاليوم، بفضل ما بلغته الحضارة الانسانية، فالانسان مواطن وليس فردا/ عبدا ضمن مجتمع الرعية/ العبيد؛ والمرأة اليوم انسانة حرة وليست عورة او ناقصة عقل… والمواطن اليوم في المجتمعات والدول المدنية هو مواطن بغض النظر عن دينه ( بودي، يهودي، مسيحي، مسلم، لاديني..)، أو عن لونه، او جنسه (رجل، امرأة، جارية، حر، عبد..)…

مناسبة المولد النبوي هي تجديد الغاية التي من أجلها بعث الانبياء، والتي يلخصها الحديث النبوي” إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق” اي مواصلة طريق الاصلاح الذي بدأه الانبياء والمصلحون قبله وسيواصله المصلحون بعده ما دامت المجتمعات الانسانية موجودة…

ذكرى المولد النبوي هو مناسبة للسير على نهج الاصلاح اي اصلاح وتنوير مجتمعاتنا التي تركت وراءها الكثير من القوانين والحدود”الشرعية” التي كان الفقهاء يعتبرونها من أسس الشريعة( الجواري والإماء، المرأة قاصرة وناقصة عقل، ووسيلة للمتعة و الانجاب فقط…).

فإن كانت الكثير من هذه الشرائع مقبولة في المجتمعات القديمة الزراعية او التجارية التي كانت تعتمد على العبيد والجواري كوسائل انتاجية، فاليوم اصبحت هذه القوانين متجاوزة وغير إنسانية وفظيعة( قطع اليد، الجلد، الرجم، اهل الذمة، قتل المرتد والمثليين، اعتبار المرأة عورة وناقصة العقل, الجواري والإماء والعبيد، طاعة العبيد المطلقة لاسيادهم… ).

المناسبة هي تجديد المجتمعات الإسلامية وتنوير الاسلام لئلا يبقى في يد من يسيء اليه ويريد إرجاعه إلى القرون الماضية( لفرملة نهضة المجتمعات الإسلامية اليوم) من الفقهاء والجماعات السلفية والاسلامية المتطرفة وغيرهم من الذين لا يرون في الدين إلا وسيلة للوصول الى السلطة السياسية بمنافعها الدنيوية عبر دغدغة عواطف الناس، لإقامة دولة دينية سياسية و التي تجسدت في بعض النماذج مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش), او افغانستان او بوكو حرام..

المناسبة هي التجديد والتنوير وقراءة الاسلام من واقعنا الاجتماعي والحضاري اليوم أسوة بما فعله اجدادنا الامازيغ الذين أخذوا بالغاية من الدين وليس بالوسيلة (إقامة الحدود, الخضوع المطلق ..), فأقاموا مجتمعاتهم على أساس الفصل بين الدين/الشريعة وبين السياسة و التدبير الاجتماعي والسياسي لأمورهم، فطبقوا قوانينهم الوضعية أي أعرافهم فلم يقطعوا يدا ولا رجموا ولا قتلوا من أجل القصاص، واعطوا للمرأة كدها وسعايتها في الأماكن التي طبقوا فيها قوانينهم، ومنحوا في بعض المناطق حقها في الثروة (فتوى ابن عرضون مثلا في هذا الشأن انطلاقا من قيمة “تامازالت ” الامازيغية) واعطوا لنا مثالا في الفصل بين الدين والسياسة، اي ما نسميه ب”العلمانية” الأمازيغية.

المناسبة كذلك هو دعوة لانخراط المصلحين والمفكرين والاحزاب وجمعيات المجتمع المدني في ورش اصلاح مدونة الأسرة يراعي ما وصلت إليه المجتمعات المتقدمة والديمقراطية اليوم، والاعتماد على الأسس العقلانية والتقدمية في ثقافتنا الأمازيغية التي أعطت للمرأة حقها في الكد والسعاية وتقاسم الثروة كما طبقتها الكثير من القبائل الأمازيغية…
فمناسبة المولد النبوي، ليست مناسبة للذكرى، بقدر ما هي تذكير بالغاية منها وهي التجديد والتنوير والاخذ بالفكر العقلاني ليساهم مجتمعنا المغربي في الحضارة المدنية الحالية.

ولمجتمعنا المغربي تاريخ في انتاج هذا الفكر العقلاني باعتبار شمال غرب أفريقيا منذ القديم او الغرب الاسلامي في ظل الاسلام كان معقل الفكر العقلاني منذ اغسطين، ودونات( مذهب الدوناتية), وأفولاي، وابن خلدون، وابن رشد..وغيرهم من المصلحين والمفكرين، إضافة إلى التدين المغربي الذي عشناه مع آبائنا قبل أن تكتسح جحافل الوهابية تديننا المغربي..
لكن ما يفرحنا هو هذه العودة التي يعرفها المغاربة منذ سنوات بالعودة إلى هويتهم وإلى ثقافتهم وتدينهم المغربي بفضل دعاة الاصلاح والتنوير المغاربة ومنهم الحركة الثقافية الأمازيغية التي كان لها الفضل الكبير في هذه العودة إلى الهوية والثقافة د المغربيتين.
kra igat asggʷas , ad yili wamur nɣ ɣ ubuɣlu.
ذ. الحسن زهور

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى