الرأيالثقافة

مقهى فلسطين كولونيا وثريا هوفمان..

حين نشعر بالعجز عن مساندة الشعب الفلسطيني أو إيقاف آلة الحرب ضدهم، نلجأ إلى الكلمات والذكريات؛ لعلها تزيح عن كواهلنا إحساسنا بالضعف إزاء ما يجري في غزة والأراضي المحتلة.
وأمام مشهد القتل اليومي، ومئات جثث الأطفال والمدنيين جراء المذبحة الممنهجة التي يقترفها الكيان الصهيوني يوميا أمام أنظار العالم، وسقوط القانون الدولي والقيم السياسية والأعراف الدولية، نستذكر أصدقاءنا الفلسطينيين، ونهرع إلى السؤال عمّن نعرفه من سكان غزة ممن جمعتنا بهم الأيام الخوالي؛
فمنذ أيام تواصلتُ مع الصديقة الفلسطينية الألمانية ثريا هوفمان (أصيلة مدينة حيفا) للاطمئنان عليها والسؤال عن صديقات غزّاويات قابلتهن في محاضرة عن فلسطين في مدينة هايدلبيرج، فأخبرتني أنها وفريقها يحضّرون لحملة علاج نفسي لأطفال غزة، مثلما فعلت حين قدّمت مساعدات للاجئات السوريات في لبنان.
قدِمَت ثريا إلى ألمانيا في سنة 1969م، ومع مسؤولياتها الأسرية -فهي أم لشابين- فقد انخرطت في العمل الخيري والتطوعي، وعملت لأكثر من 20 سنة مع جمعية المرأة الألمانية الفلسطينية، ثم أسّست مقهى فلسطين كولونيا سنة 2012م ليكون ملتقى للمثقفين والكتّاب وللتعريف بقضية الشعب الفلسطيني وثقافته.
واستضاف المقهى منذ تأسيسه العديد من الكتّاب والمثقفين والفنانين العرب من الجنسين، منهم الكاتبة الفلسطينية الأمريكية سوزان أبو الهوى (53 عاما)، وأقام المخرج والكاتب الإيراني علي جليلي (44 عاما) على مسرح المقهى مسرحية (عائد إلى حيفا) للكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني (1936-1972)، كما استضاف المقهى الكاتب الفلسطيني الألماني سليم الأفنيش (74 عاما) المقيم في مدينة هايدلبيرج، الذي تعرَّفت عليه أيضا في تلك المدينة عندما وقّع كتابه (نصوص عربية أوّلية Erste arabische Lesesstücke).
وسليم راعي إبل من صحراء النقب له قصّة طريفة أخرجته من فلسطين إلى ألمانيا يمكن أن تُحكى في مناسبة أخرى.

زرتُ مدينة كولن في شتاء 2016م، وأقمتُ في بيت الصديقة ثريا بمعية عائلة المهندس الألماني الفلسطيني سهيل يوسف (66 عاما) القادم من مدينة هانوفر مع زوجته اليونانية كريسا التي تتحدّث اللهجة الفلسطينية بطلاقة؛ حضرنا معا فعالية ثقافية شارك فيها العازف الفلسطيني أيهم أحمد، الذي اشتهر بصورته وهو يعزف على البيانو في مخيم اليرموك أثناء الأزمة السورية، وقرأت الكاتبة بسمة خوري قصصا عن حياة البدو في فلسطين، وقد عرَّفتني ثريا على مجموعة من الأصدقاء منهم الألماني ميشيل كلنر المتطوع الدائم لكل فعاليات المقهى، فهو يرتب وينظم المعرض بكل تفاصيله وتجهيزاته، كما تعرَّفت على الكاتب والأديب الفلسطيني والإعلامي القدير حكم عبدالهادي (84 عاما) وزوجته نهى سلوم.

يذكر حكم في إحدى تدويناته على فيسبوك بعنوان (قصتي مع رؤسائي الألمان والعرب) أن اثنين من رؤسائه الألمان كانوا يدافعون عن إسرائيل أثناء وجودهما على رأس عملهما، وبعد التقاعد أصبحا من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية؛

وهذا نراه الآن في الكثير من مقاطع التسجيلات عن الصحوة المتأخرة للضمائر لدى الأوروبيين أو غيرهم ممن خدم الكيان الصهيوني، إذ كثرت الانتقادات تجاه كيان الفصل العنصري. قرأتُ أيضا لحكم ترجمته لقصة من الأدب الألماني بعنوان «ليلة في فندق» للأديب الألماني زيجفريد (1926-2014). يقول حكم «عندما رويت هذه القصة في الناصرة للشاعر الفلسطيني الكبير طه محمد علي (1931- 2011) لم يتمكن من حبس دموعه».

بالعودة إلى مقهى فلسطين، فلا تقتصر نشاطاته الثقافية على مدينة كولونيا، بل تتوسع فعالياته في عموم الولايات الألمانية. فقد حضرت في نوفمبر 2018م فعالية عن دور النساء الفلسطينيات في غزة نظمها النادي في مدينة هايدلبيرج، وأقيمت في صالة كنيسة لوثر بعد اعتذار بلدية هايدلبيرج عن استضافة الفعالية بسبب ضغط اللوبي الصهيوني في المدينة، شاركت في الفعالية الناشطة فداء الزعانين وسلوى دويبس والصديقة ثريا وقدّمتهم للجمهور آنيت جروته، وعرضت كل مشارِكة معاناة النساء الفلسطينيات في فلسطين عامة وفي غزة بشكل خاص.

عندما سألتُ ثريا عن أحوال فداء وسلوى في الحرب، أخبرتني أنها لم تتلقَّ ردا من أي منهما! لحظتها ولدت لدي فكرة كتابة هذا المقال لتبقى الكلمات خيار العجزة، ومن تعوزهم القدرة على إيقاف الحرب وإزهاق الأرواح وكفكفة دموع المظلومين والمكلومين.

لكن الأحرار في العالم وأصحاب الضمائر الحية وممن لا تزال الإنسانية تسكن أرواحهم خرجوا إلى الشوارع، في مشاهد ستكتب تاريخا جديدا للقضية الفلسطينية، التي بخلاف أنها قضية عربية وإسلامية ومسيحية، فإنها قضية إنسانية بالدرجة الأولى، تستدعي إرجاع الحقوق إلى أصحابها ورفع الظلم والجور والانتهاكات التي وقعت على الشعب الفلسطيني بكل أطيافه منذ الوجود الإنجليزي في فلسطين وإلى هذه اللحظات.

محمد الشحري كاتب وروائي عماني

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى