مسارات من حياة الإعلامي الكبير “محمد بن ددوش” الذي اختطفه الموت ..
ولد محمد بن ددوش سنة 1929 بتلمسان، ودرس بجامعة القرويين بفاس والتحق بالإذاعة المغربية سنة 1952، حيث ارتقى في عدة مناصب، وأصبح مديرا لها ما بين 1974 و1986، كما شغل منصب مستشار إعلامي في ديوان الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وشارك بكتابات متنوعة في مختلف الصحف المغربية وحاز على عدة أوسمة وطنية ودولية .
يرتبط تاريخ محمد بن ددوش بالإذاعة، حتى وإن كان من رواد الإذاعة الوطنية منذ بداياتها الأولى ، وكان أحد مدرائها لما يزيد على عقد ونصف من الزمن ، بل ارتبط بصوت ثاقب ، لا يمكن أن تغفل الأذن سريان نبراته إليها بالمرة.
إن محمد بن ددوش لم يؤسس لأداء إعلامي ملؤه العفوية والتلقائية والصدق ، في زمن كانت تقطع بظله الأعناق والأرزاق لمجرد تجاوز بسيط ، بل أسس لهلامية تراتبية الصوت والصورة بالمنبر، لدرجة يدرك المرء معها بيسر كبير، أنه بإزاء بن ددوش سواء سمعه بالإذاعة، أم أغمض عينيه للإنصات له وهو بالتلفزة .
استمرت رحلة محمد بن ددوش مع العمل الإذاعي لمدة 50 سنة ، هذه المسيرة دونها في بمؤلف من 583 صفحة من القطع الكبير، استعرض فيه أحداثا كبرى عاشتها البلاد، بعد عودة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس من المنفى وحصول المغرب على الاستقلال وانطلاق بناء الدولة المستقلة ودور الإذاعة الوطنية في خضم التيارات السياسية التي عرفتها الساحة المغربية.
وفي هذا الإطاريعتبر الكاتب والصحافي محمد العربي المساري، الذي جايل بن ددوش في الإذاعة خلال السنوات الأولى للإستقلال أن ” بن ددوش فضلا عن كونه مؤرخا للعمل الإذاعي في مغرب الاستقلال، يجده القارئ شاهدا على التاريخ، حينما يقدم إضاءات على الأحداث التي عاشها أو واكبها، ومنها وجوده كرهينة في دار الإذاعة يوم محاولة انقلاب الصخيرات.
بن ددوش، يسير في ثلاثة مسارات متوازية، فهو بشكل من الأشكال سيرة عملية وإدارية لمؤلفه مثلما هو بنفس الوقت، تأريخ للمراحل التي قطعتها دار الإذاعة التي كانت تسمى أثناء الحماية –راديوماروك – ليصبح اسمها بعد الاستقلال الإذاعة المغربية أو راديو المغرب. تلك النقلة الكبرى من بوق إعلامي يمجد سياسة الاستعمار الفرنسي، إلى صوت الشعب المغربي، قادها إذاعيون مغاربة، من بينهم بنددوش.
أما المسار الثالث، فيتمثل في تدوين بن ددوش، بأسلوب سلس، لكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية والفنية بما فيها المتسمة بالطرافة كان شاهدا عليها، على اعتبار أن الإذاعة ظلت خلال سنوات ما بعد الاستقلال، الصوت الذي يسمعه المغاربة في كل الجهات التي يصلها البث الإذاعي وتغطيها الأمواج العاملة حيث الصحافة الورقية ذات توزيع محدود وضعيف مقصور على المدن.
وانطلاقا من مواكبته المهنية لمختلف مراحلها ، تناول الكاتب الجوانب الدبلوماسية للمسيرة كقوة ضغط خلال المفاوضات المغربية الإسبانية التي توجت باتفاقية مدريد سنة 1975, وكذا أهمية دور إذاعة طرفاية المحلية التي عملت ، إلى جانب الإذاعة المركزية، على إيصال صوت المسيرة إلى المستمعين داخل المغرب وخارجه.
وكان بن ددوش الصوت الإذاعي الأول الذي أعلن مباشرة على الإذاعة صباح يوم 6 نونبر 1975، انطلاق المسيرة واجتيازها للحدود الوهمية التي فرضها الاستعمار على المنطقة.
واعتبر بنددوش من جهة أخرى في كتابه أن تأسيس إذاعة البحر الأبيض المتوسط، شكل بداية مرحلة المزاحمة الإذاعية ، مشيرا الى ان هذه الاذاعة استفادت في بداية عهدها من أجهزة البث الخاصة بالإذاعة الوطنية على حساب هذه الأخيرة ، التي سعى العاملون فيها بالمقابل إلى تطوير منتوجهم الإخباري قدر المستطاع والخروج عن النمط التقليدي رغم العراقيل المرتبطة أساسا بتبعية الإعلام لوزارة الداخلية في ذلك العهد.
كما يورد بن ددوش القصة الكاملة لسيطرة انقلابيي الصخيرات على الإذاعة سنة 1971، حين وجد نفسه رفقة الصحافيين والمذيعين والتقنيين والفنانين تحت رحمة السلاح دون سابق إنذار لعشر ساعات عصيبة، وتحولت الإذاعة إلى مستودع للرهائن، من أبرزهم الفنان المصري الراحل عبد الحليم حافظ الذي كان متواجدا في الإذاعة آنذاك.
وبدأت رحلة بن ددوش الطويلة سنة 1952 بترجمة نشرة الأخبار من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية وإذاعتها، وسجله حافل بممارسة إعلامية الى جانب جيل الاستقلال الذي خلف جيلا له لغة عتيقة ومفاهيم متوارثة منذ إنشاء الإذاعة في 1928
و من المواقف الوطنية لبن ددوش، إيقافه عن العمل من الإذاعة بداية عام 1956 قبيل الاستقلال، على يد آخر مقيم عام لفرنسا بالمغرب، لأنه أشاد على أمواج الإذاعة في برنامجه ”العالم في أسبوع”بالوطنيين في المغرب والجزائر، الذين خاضوا معركة واحدة ضد الاحتلال الفرنسي.
فالرجل إذاعي كبير دخل تاريخ الإذاعة من بابه الواسع دون منازع. وتكفي الإشارة إلى أن بن ددوش، الذي غادر الإذاعة عام 1986 عمل في ظل 17 وزيرا للإعلام و11 مديرا عاما توالوا على الإذاعة الوطنية التي تحولت الآن إلى شركة وطنية مملوكة بالكامل
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News