مداخلة لم يُكتَب لها أن تُقال ..
- محمد لحميسة
كنت من الأوائل الذين بلغ الى علمهم حضور حسن أوريد لمناقشة كتابه الشعبوية، قبل أن يُنشر الإعلان ويتشاركه الناس في منصات التواصل، قلت بأنها فرصة للحديث وللتعرف ولرؤية قامة فكرية اعتدت استهلاك افكارها قراءة ومشاهدة منذ زمن بعيد ..
تعرفت على كتابات اوريد لما كنت في سنة الجدع المشترك او الأولى بكالوريا لست أذكر بدقة، عبر كتيب صغير كلفني آنذاك 15درهم، كتيب صغير آسرني موضوعه وعنوانه “الاسلام والغرب والعولمة” منشورات الزمن، قرأته، سبرت أغوار موضوع كنت لازلت طفلا أمام عمقه، العولمة، لربما ذلك ما يفسر اهتمامي الممتد من ذاك الحين إلى اليوم بموضوع العولمة، خاصة الثقافية، لأن تلك المرحلة بالذات قرأت فيها كتاب أوريد وكتابين للمهدي المنجرة، جعلاني أفهم ازدواجية الخطاب السياسي الدولي وحضور جوانب غير معلنة تتحكم بها الأيديولوجيا والمركزية الغربية، على العموم كان لقائي الأول مع أوريد عنوانه الاسلام والغرب والعولمة، سيدوم البعد عن كتاباته مدة طويلة تقطعها بعض مقالاته من حين لآخر، لكن حبل الالتقاء كان موجودا في المشهد السمعي البصري، أشاهد محاضراته، تعجبني لغته العربية الفصيحة وأستمتع بلكنته وعمق مواضيعه.
اللقاء المكتوب الثاني سيكون عبر بوابة أفول الغرب، مادة دسمة من المعلومات ومن أفكار واستشرافات تؤكد على أننا أمام مفكر فذ، يبدع في مجاله، متمكن من ميدان بحثه، ينضاف الى قائمة من مفكري الوطن في التاريخ الحديث(عابد الجابري، عزيز بلال، محمد جسوس، عبدالله العروي…)، مباشرة بعدها جاءني الخبر، خبر الحضور الفعلي/الشخصي للمفكر حسن اوريد ضمن أيام ثقافية تنظمها مجلة نبض المجتمع في شخص رئيسها السيد لحسن باكريم، من أجل مناقشة كتابه “الشعبوية، او الخطر الداهم” كان من الضروري قراءة الكتاب، في البداية بحثت عن الكتاب ولم أجده، بعد أيام وجدته، لَسَعني الثمن، أخترت التريث والانتظار، جاء الفرج باتصال اتسعت من خلاله يداي، تمكنت من شراءه، بدأت رحلة قراءته، جاء الموعد وحضر السيد حسن أوريد، قبل الحفل ومن خلال عدد الصفحات التي تمكنت حتى ذلك الوقت من اِتمامها، وكذلك عشرات الدقائق من محاضرات ولقاءات مصورة في اليوتيوب، صغت مداخلة لأطرحها على الاستاذ حسن اوريد في خضم النقاش الذي يلي العرض.
مر العرض بسلم وسلام، جاء وقت الاسئلة، لم أرفع يدي في البداية خوفا من أن يكون كلامي خارج السياق، نشاز شاذ لا يتسق مع مسار المداخلات والنقاش العام المطروح، اخترت التريث، سمتي الابرز في الحياة، حتى أسمع مداخلة او إثنتين، كي أعرف اتجاه النقاش، لكن عدم رفع يدي جعلني ليس خارج السياق فقط، لكن خارج النقاش!
عدد المداخلات كان كثيرا، ولم يعرف الحضور طريق لاختصار القول، البعض اتجه نحو اضاعة الجهد والوقت في المدح والتبجيل دون أن يوسع افاق النقاش ولو ملم واحد، فضاعت كلماتي بداخلي، لكن الجن المثقف الذي يسكنني لم يقبل هذا، الكلمات لابد من أن تقال، ان لم تفعل فهي تعذب صاحبها، بل وأؤمن بأن صاحبها يحاسب عليها يوم الحساب، انه دين من يكتب، ومن هو مسكون بهم الكلمة، ويعرف قيمتها وأبعادها وما تستطيع أن تفعله وتغيره في المجتمع.
مر الحدث بيومين، لازالت المداخلة التي لم تقل، تؤرقني، تحدث بداخلي فوضى !
نص المداخلة كما صغته:
مساءلة الشعبوية في أخر المطاف ليست إلا مساءلة للديموقراطية، فهذه الأخيرة تزعم ( على الأقل) بأنها تشرك الأغلبية في سيرورة اتخاذ القرار، اذ لا وجود لنخبة مختارة تحتكر السلطة باسم مبدأ معين سواء كان ديني أم معرفي ام اقتصادي، شعار الديموقراطية هو السلطة للجميع، والحق يقال أن هذا المبدأ له مساوئه، فحتى عند الذين ابتدعوها وأنضجوها ومارسوها بحق، هذه الديموقراطية قتلت من قالت فيه عرافة دلفي “اذكى الناس جميعا” وقال عنه سيسيرون بأنه أنزل الفلسفة من السماء الى الأرض، وأحدث طفرة في الفكر الانساني، اتحدث عن سقراط، فهل ندين الديمقراطية لأنها قتلت سقراط باسم أنها شعبوية؟ هذا سؤال، لكنه ليس السؤال المحوري، لأن السؤال المركزي في رأيي هو تجاوز منطق التأفف من الشعبوية وإدانتها، نحو منطق الفهم، أسوة بقول سبينوزا ” لا مدعاة للضحك، لا مدعاة للبكاء، يجب أن نفهم”، علينا أن نفهم كيف انتقلت الشعبوية من اقتحام سجن الباستيل وإرساء مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وفصل الدين عن الدولة وووو.الخ، الى شعبوية تنشر الكراهية وتذكي الصراعات الاثنية والدينية والعرقية. هنا بيت القصيد وفك طلسم هذا الانتقال هو جواب عن الوضعية السياسية العالمية وعن مرض الديمقراطية.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News