
مداخلة الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والإتصال في ندوة “الصحافة المغربية، الأزمة الوجودية وسبل الإنقاذ “..
هذا نص مداخلة الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والإتصال في ندوة “الصحافة المغربية: الأزمة الوجودية وسبل الإنقاذ ” المنظمة من طرف الفدرالية المغربية لناشري الصحف، المداخلة تلاها الرفيق عبظ المولى بوخريص باسم الجامعة:
“بداية نشكركم على دعوة الجامعة الوطنية للصحافة والاعلام والاتصال للمشاركة في هذا اليوم الدراسي الهام، ونغتم هذه المناسبة لتهنأتكم على حضوركم الدؤوب في الحقل الإعلامي المغربي ومساهمتكم بجرأة ومسؤولية في بسط القضايا والاشكالات الكبرى التي تعني هذا القطاع على طاولة النقاش العمومي، كما يتجلى ذلك في عنوان هاته الندوة: “الصحافة المغربية: الأزمة الوجودية وسبل الإنقاذ”.
ولا نكون مبالغين ولا مجاملين إذا قلنا إن الظرفية التي تنعقد فيها هاته الندوة تجعل منها ناقوس خطر وإنذار للجسم الصحفي بمختلف تلاوينه ومشاربه وللجهات الحكومية عموما ووزارة الثقافة والاتصال خصوصا باعتبارها الوصية على تدبير القطاع.
فالصحافة المغربية تعاني من مشاكل بنيوية لايزيدها مرور الزمن إلا استفحالا كما هو الشأن بالنسبة إلى الهشاشة الاقتصادية لمعظم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وغياب الشفافية في صرف الدعم العمومي للصحافة أوفي توزيع كعكة الاشهار، وانضافت إليها الردة الحقوقية ببلادنا والتي تنعكس مباشرة على قطاع الصحافة والإعلام، بحيث أضحى الولوج إلى المعلومة يصطدم بجدار بيروقراطي سميك، إضافة إلى الارتفاع المستمر والمقلق لعدد الصحفيين المتابعين أمام مختلف المحاكم، حيث صدرت أحكام بالسجن في حقهم، وتمت مطالبتهم بتأدية غرامات خيالية وتعجيزية، مما يجعلهم أمام خيارين لا ثالث لهما: السجن أو التشرد.
أما على الصعيد الاجتماعي فيشكو القطاع من عدم الاستقرار المهني لعدد كبير من العاملين في مختلف مقاولات وشركات القطاع، الذين لا زالوا يشتغلون بعقود عمل عن طريق المناولة أو كمتعاونين، مما يكرس وضعيتهم الهشة في ظل غياب أية تغطية اجتماعية أو صحية؛ ومما يزيد الطين بلة، ضعف إذا لم نقل غياب منظومة مؤسسية حقيقية للأعمال الاجتماعية في قطاع يعتبر استراتيجيا، وفي ظل انعدام أي سياسة عامة لدعم الأعمال الاجتماعية في القطاع، لا من طرف المسؤولين عن تسيير و إخراج إعلامنا من النفق الذي دخل فيه تدبير المؤسسات والمقاولات الإعلامية ولا من طرف الوزارة الوصية؛ علاوة على كون تسيير المؤسسة الموجودة حاليا، على علاتها، يفتقد كلية لمعايير الشفافية.
بارتباط وثيق مع ذلك شملت سياسة التراجعات تعاطي الحكومة مع تدبير ملف التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة. فبعد أن استبشر الجسم الإعلامي خصوصا والحقوقي عموما بتشكيل المجلس الوطني للصحافة سنة 2018،والذي شكل لحظة ديمقراطية بامتياز، وتكريسا للمكتسبات السياسية والحقوقية التي حملها دستور 2011، حيث أن فلسفة التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة كانت تروم تقليص تدخل الدولة ومنح مساحة واسعة للصحفيين أنفسهم قصد تدبير شؤون مهنتهم من جهة، والموازنة ما بين مقتضيات حرية الصحافيين في التعبير والرأي، ومزاولة المهنة وفق قواعدها وأخلاقياتها المتعارف عليها عالميا، وقبولهم الطوعي بمبدأ المساءلة أخذا بعين الاعتبار حق المواطنين في حماية أنفسهم من التجاوزات التي قد يسقط فيها الإعلام من جهة أخرى.
ولقد تمكن المجلس الوطني للصحافة فعلا خلال ولايته الأولى من إصدار ميثاق حول أخلاقيات المهنة وتقرير سنوي برسم سنتي 2019 و2020 ودراسة حول انعكاسات جائحة كوفيد على وضعية الصحافة المغربية، إضافة لبعض الخطوات الأخرى التي ظلت على العموم دون تطلعات الصحفيين ودون تقديم أدنى تصور واضح فيما يخص مواجهة الاختلالات التي يعرفها قطاع الصحافة وتصحيحها، أو سبل النهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، خصوصا تلك التي تتواجد في الجهات البعيدة عن محور القنيطرة-الرباط- الدار البيضاء. ناهيك عن عدم تقديم تقارير شاملة لفائدة الصحافيين وقوائم المستفيدين من بطاقة الصحافة، وأسباب التمييز في الاستفادة من بطاقتي الصحافة والقطار.
ورغم أوجه القصور المختلفة التي اعترت عمل المجلس الوطني للصحافة خلال ولايته الأولى، فقد كان أمل الجسم الصحافي وعدد من هيئاته كبيرا في أن تشكل الولاية الثانية التي كان من المنتظر أن تتلو انتخابات المجلس، فرصة لترسيخ هذا المكسب الديمقراطي الذي يشرف بلادنا، ومناسبة لتصحيح الاختلالات التي طبعت جوانب كثيرة من تسييره. غير أن الوزير الوصي على القطاع مدعوما بالأغلبية الحكومية، وبتواطؤ مكشوف مع أشخاص محددين في المجال الإعلامي يستفيدون من منافع شخصية من الريع ووضعية الجمود، فرض لجنة مؤقتة ومفصلة على المقاس للاستمرار في تسيير شؤون القطاع، وهو ما شكل إساءة لحرية التعبير والصحافة ببلادنا.
ولقد بادر الاتحاد المغربي للشغل عبر الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال بالمطالبة بإجراء انتخابات مهنية في أوانها، ونظم يوما دراسيا عبر فريقه بمجلس المستشارين للتنبيه بهذه الردة، كما أصدر مواقف مشتركة مع الإخوة في فيدرالية الناشرين … بغية التحذير من عواقبها على المسار الديمقراطي لقطاع الإعلام.
وقد كانت كل التحذيرات التي أصدرناها في أوانها، وما يترتب عنها من مخاطر، قد حصلت اليوم فعلا، وازدادت حدة تفاقمها، بحيث أن الواقع الراهن للإعلام المغربي يعاني ترديا واحتقانا غير مسبوقين بشهادة كافة المتدخلين والفاعلين المعنيين، مما يفرض ضرورة فتح نقاشات عمومية واسعة حول تجربة التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة وسبل إخراجها من النفق المسدود الذي تم الزج بها فيه، إلى جانب تقديم تصورات ومشاريع قوانين جديدة تضمّن في مدونة الصحافة والنشر في صيغها المرتقبة.
تأسيسا على ما سبق ذكره، واستنادا إلى الوعي العميق للجامعة بالمتغيرات المتلاحقة التي يعرفها المشهد الإعلامي الوطني، وبتأثيراتها المرتقبة على وضعية المنتسبين إليه، وعلى جودة الإنتاجات الإعلامية الوطنية وأدوارها الاجتماعية والتوعوية والثقافية المنتظرة، خصوصا في سياق الاستحقاقات القارية والدولية التي يقبل عليها المغرب، والتي يعتبر تطوير ودمقرطة تجربته الإعلامية أحد المداخل الأساسية لربح رهاناتها الكبرى من حيث تقديم صورة إيجابية عن اللحمة الوطنية، وعن سيادة القانون والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص داخل البلاد.
فإن الجامعة الوطنية للصحافة والاعلام والاتصال تدعو إلى بلورة رؤى وخارطة طريق مشتركة مع مختلف الفعاليات النزيهة وذات المصداقية لإخراج إعلامنا من النفق الذي دخل فيه، ومجابهة وتخطي كافة التحديات المطروحة، سواء على المستوى المهني أو الاجتماعي؛ باعتبار أن البيئة الإعلامية الحرة والمستقلة والتعددية ضرورة حيوية لتكريس وتبيئ الديمقراطية، فوسائل الإعلام هي وسيلة المواطن لاتخاذ قرارات مؤسّسة ومدركة ومطلعة ومعززة للمشاركة في صنع القرارات المؤثرة على أمور حياة المواطنين بشكل عام، فإن الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال تطرح لكل الشركاء والفرقاء مقترح خارطة طريق تتكون من المحاور الخمس التالية:
) المجال السمعي البصري العمومي:
توخي الشفافية المطلوبة في إعداد مشروع “هولدينغ الإعلام السمعي البصري العمومي”، وإعمال المقاربة التشاركية في صياغته، مع الحرص على خلق آلية تواصلية عاجلة لاستقبال المقترحات والتوصيات والمبادرات من لدن شتى أصناف الفاعلين المعنيين بالمشروع، واستحضار مقاربة “النوع الاجتماعي” فيها، وذلك، ارتباطا بالشكل النهائي للعلاقة الإدارية بين مكونات الهولدينغ، وبين موارده البشرية، وسؤال الحكامة داخله، وأسئلة دفاتر التحملات الجديدة، وعقود البرنامج المرتبطة بها.
2) مجال التدبير الذاتي لشؤون الصحافة والنشر:
العودة العاجلة إلى الخيار الديموقراطي في تدبير شؤون قطاع الصحافة والنشر، عبر إنهاء العمل باللجنة المؤقتة المُعيَّنة، والدعوة إلى إجراء انتخابات المجلس الوطني للصحافة، وفق نفس الآليات التنظيمية التي اعتُمدت في انتخاب المجلس المذكور في تجربته الأولى، على أن تشرف على هذه الانتخابات لجنة مستقلة، تتكون، حصريا، من قضاة ومن مراقبين من المجتمع المدني، وأن يُوكل إلى المجلس الجديد المنتخب تقديم مسودة التعديلات المرتقبة على “مدونة الصحافة والنشر” الحالية، بقوانينها الثلاثة.
في هذا الصدد، تؤكد الجامعة على ضرورة تفادي اعتماد مفاهيم فضفاضة في صياغة المواد القانونية للمدونة الجديدة، وإفراد قانون خاص بالصحافة الإلكترونية، مع الحرص على إعمال المقتضيات القانونية للمدونة، وبالتحديد مقتضيات القانون المتعلق بالصحافة والنشر، في تقنين القطاع السمعي البصري الوطني، أيضا، دون حصرها في ضبط الممارسة الصحافية الورقية والإلكترونية، فقط، وذلك، بالتوازي مع الرفع من مستوى حماية مصادر الخبر التي يستند إليها الصحافيون في إنشاء موادهم الإعلامية، وإعادة النظر في قيمة الغرامات المالية التي قد تترتب عن بعض الممارسات الصحفية، بما يتناسب مع ميزانيات الصحف والمواقع الإلكترونية ومختلف المنابر الإعلامية الوطنية الأخرى.
من جانب آخر، تدعو الجامعة إلى تثمين وضعية المُصوِّرين لدى المجلس الوطني للصحافة، باعتبارهم جزء لا يتجزأ من العمل الصحافي، والحرص على الارتقاء بأوضاعهم الاجتماعية والمهنية من خلال نصوص تشريعية صريحة، أُسوة بباقي العاملين في قطاع الصحافة والنشر.
3) مجال مستجدات الصحافة الورقية والإلكترونية:
اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المهنيين العاملين في المقاولات الصحافية الورقية والإلكترونية من التقلبات المتلاحقة للسوق الوطنية، خصوصا تحت تأثير التحولات الرقمية المتسارعة، والاستغلال المتنامي لتطبيقات الذكاء الصناعي في الصناعة الإعلامية، على النحو الذي يساهم في حماية الملكية الفكرية للصحافيين أصحاب الحقوق، وتجويد الوضعية المادية والمعنوية لمختلف العاملين في مجال الصحافة الورقية والإلكترونية.
4) مجال الاتفاقيات الجماعية داخل المنشآت الإعلامية:
اعتماد “اتفاقية جماعية” مُوَحّدة، تسري موادها الأساسية على كافة العاملين في مختلف المنابر الإعلامية الورقية والإلكترونية والسمعية البصرية الوطنية، وذلك، تجاوزا لوضعية الهشاشة الاجتماعية التي يعيشها الهامش الأكبر من المهنيين العاملين في السوق الإعلامية الوطنية، وتفاديا لخلق تراتبية اجتماعية غير مُبرَّرة داخل الجسم الإعلامي الوطني.
5) عملية منح بطائق القطار المجانية للعاملين في مجال الصحافة والإعلام:
تنظيم عملية منح “بطائق القطار”، وفق آليات شبيهة بتلك التي يتم اعتمادها خلال عملية منح “بطائق الصحافة”، مع الحرص على إصدار بلاغات إخبارية في الموضوع، خلال نهاية كل سنة، واعتماد شروط واضحة وشفافة لمنح هذه البطائق، ناهيكم عن تحديد الجهة الإدارية التي يُخوَّل لها حصر لائحة المستفيدين منها.”
*عن المكتب الوطني للجامعة الوطنية للصحافة والاعلام والاتصال، الاتحاد المغربي للشغل .

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News