الثقافة

محمد البدوي، ابن الريف البار، لالة عائشة أو الريف الصامت…

“الفيلم الجيد هو الذي إن حذفت شريط الصوت بالكامل، يظل المشاهد مستمتعا به”. الفريد هيتشكوك

أتساءل هل تكفي مشاهدة فيلم واحد للحكم على تجربة مخرج والخروج بخلاصات حوله؟
أقول: نعم، عندما يكون الفيلم هو لالة عائشة والمخرج هو محمد البدوي.
لا أخفيكم أن طريق الرجوع من قاعة السينما للبيت مر في تعداد المواضيع التي لامسها محمد في فيلمه من البطالة للتطرف الديني، لوضعية المرأة (خاصة المرأة القروية والريفية) ومشكل النوع الاجتماعي، للعنف الأسري، للمهاجرين الأفارقة، للهجرة السرية واللائحة مازالت طويلة.

وكل هذه المواضيع لم يتم التطرق اليها بشكل مباشر وساذج كما يفعل البعض، لكن الحقيقة أن محمد البدوي كان مبدع ينتصر للصورة على حساب الحوار، كما يقول غاستون باشلار “الصورة اصل المعرفة، بداية عالم، بداية كون متخيل”، والصورة أحيانا كما وظفها محمد البدوي أبلغ من أي حوار، لأنها تجعلك تفهم المرئي واللا مرئي في آن واحد من خلال آلة التخيل، ومن خلال مشاهدة الصورة، وكذلك من خلال آلة التأويل .

وباسكال في الجزء الثاني من تأملاته يصرح بأن الصورة قوة خارقة، وفيلم محمد البدوي خير مثال على هذا .

كما سبق أن قلت هناك فائض في المواضيع، أما الجانب التقني فإن مشاهدة الفيلم وتتبع الإطارات وزوايا التصوير والإضاءة واستغلال صوت الطبيعة (صوت المطر، وصوت مياه البحر) يؤكد على أننا أمام مخرج مميز (حرايفي) باللغة العامية، وهو مثال نحتاجه لكي نقدمه لبعض المهرجين الذين يظنون (وإن بعد الظن إثم) أنهم يقومون بالسينما.

أعود الى الفيلم، وأختار مشهدين لم أستطيع نسيانهما حتى الأن، المشهد الأول هو حينما نكتشف أن لالة عائشة بطلة الفيلم بكماء لا تتكلم، أهي رمز الريف الصامت، الريف الذي لا يعبر عن نفسه! ربما، هذا سؤال متروك للأيام ولتأويلاتنا للإجابة عليه.

المشهد الثاني هو مشهد المقبرة وقت دفن ابن السيدة لالة عائشة، وقع صراع بين لالة عائشة المرأة(كجندر) التي تخضع لضوابط دينية وعرفية تمنعها من دخول المقبرة وحضور مراسيم دفن ابنها، ما لخصه زوجها في قوله “هذا حرام”، هذا الجانب الأول، الجانب الثاني هو للاعائشة الإنسانة التي فقدت فلذة كبدها، ابنها الذي قدم ذاته قربانا من أجل فرص عمل تنقذه من بطالة الريف، من أجل الضفة الأخرى، حلم الشباب الضائع، لاحظنا ذلك الصراع وذلك التدافع الداخلي الذي اقتنصته عدسة محمد البدوي بنجاح وشخصته بإبداع فاجأني وأنا في القاعة ما جعلني ابحث عن الممثلة فوجدتها فنانة وممثلة اسبانية متمكنة من عملها وهي أنجيلا مولينا، وهذا أيضا أمر يحسب للمخرج في إدارة ممثلين من هذه الطينة العالمية.

حقيقة أعادني الفيلم بأجوائه الى رواية الأم لماكسيم غوركي، وإن تغيرت السياقات وتباعد المتن الحكائي بينها، نفس القوة، نفس الشجاعة، الاستعداد للتضحية بالغالي والنفيس من اجل الأبناء ومن أجل العائلة، هي هذه الأم المغربية، الأم الريفية التي تستيقظ قبل الكل وتنام بعد الكل .

ما يمكنني الختم به هو الشكر والتقدير والاحترام لمخرج أبدع حق الابداع، وكما يقال ” رحم الله من عمل عملا فأتقنه”، وأشهد بهذا أمام الله، محمد البدوي عمل فأتقن، في انتظار أعمال جديدة له على أحر من الجمر.

Ciné-club Nour-Eddine Saïl Un grand merci à vous 🙏❤️

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى