الرأيالمجتمع

محاصرون: إبداع الفن الأمازيغي الملتزم وليد المعانات، وقارء للفنجان

  • بقلم امحمد القاضي*//

إن الكوارث من زلزال وفيضانات وجفاف التي ضربت جبال الأطلس وسفوحه، وخاصة السيول الأخيرة نواحي سموكن وطاطا خلال سنة، عرت درجة التهميش والإقصاء التي تطال ساكنة المنطقة.

شهدت المنطقة زلزال 8 شتنبر 2023، من أعنف الهزات التي شهدها المغرب هز أركان البلد، وذهب بأرواح واسقط منازل وعزل قرى برمتها، وأصبحت النقط المحيطة بالبؤرة ساحة شبه منكوبة. رغم أن تضامن الشعب المغربي بكل مكوناته وإعانات الجهات الرسمية خفف من أحزان المتضررين، إلا أن بطئ عمليات إعادة الإعمار وبقاء جل الساكنة المتضررة وسط الخيام وضع مؤلم وغير مقبول.

وإنضافت للكوارث الطبيعية بجهة سوس في نفس اليوم بعد سنة، بقدرة قادر، 8 شتنبر 2024، السيول الجارفة التي حصدت الأخضر واليابس وحطمت منشآت البنية التحتية الضعيفة أصلا بجانب وديان الواحات.

الآلة الإعلامية لم تنقل بوضوح وفي حينه لا درجة الخراب التي خلفت السيول، ولا حجم الأضرار التي جرفتها المياه ولا الآثار العميقة التي تركتها في حياة الساكنة، علما أن غالبيتها تعتمد على غلة الواحات والزراعة المعيشية المحادية للوديان.

فإذا كان الزلزال فاجعة ضربت رقعة واسعة في لمحة البصر، والفيضانات لم تؤثر سوى على قرى جنبات الوديان، إلا أن الحاجة للإغاثة والتدخل السريع والإلتفاتة الإنسانية في هاته الحالتين تبقى سيان. ولوحظ قصر مدة الإهتمام بالموضوع إعلاميا، وضعف الإلتفاتات الإنسانية للساكنة المتضررة مع العلم أن طاطا منطقة شاسعة الأطراف بساكنة مستقرة بشكل دائم ولم تنال حظها من الإهتمام المركزي.

ضعف الإهتمام بالجوانب والمغرب العميق يوسع الهوة والثقة بين المؤسسات والساكنة من جهة، والفاعلين المدنيين بهذه المنطقة من جهة أخرى.

وزادت أحداث أخرى شهدتها جهة سوس على تكريس الشعور بالحصار وقلة التواصل المباشر مع المعنيين وطبخ وإعداد مخططات في مكاتب الوزارات ومحاولة إسقاطها قهرا على الساكنة دون إعتماد وسائل تشاركية وتواصلية وإقناعية مع ساكنة الحبال. الأمر يتعلق بإحداث المنتزه الطبيعي للأطلس الصغير الغربي، الذي قامت حوله الدنيا ولم تقعد بعد.

ولا يسعنا أن نقول أن ما يقع حالا بسوس يتداوله الفن الأمازيغي بساحة أحواش، الذي قد يعتبره البعض مجرد رقص وفرجة. وسبق أن غطته الأغنية الشعبية الهادفة بشجاعة أدبية للمجموعات الغنائية عقودا خلت، إما وصفا للأحوال المؤلمة والأوضاع المزرية التي تعيشها الساكنة منذ ردح من الزمن، أو على شكل رسائل لمن يهمهم الأمر، ولن نقول تنبأ للحصار المعنوي والمادي المضروب على المناطق المهمشة، لأن الحال هو الحال ولم يزدها القدم والزمان إلا تعميقا للجراح.

في أواخر تسعينيات القرن الماضي سجلت فرقة إزنزارن عبد الهادي أغنية “نتغي” (محاصرون) التي تعتبر من أجود ما تفتق به إبداع المجموعات الغنائية (تكروبيت) نسجا للكلمات ووتوزيعا للألحان. لأن الفن بالجبال والشعر الأمازيغي تعبير عن حال أهله، أكثر منه فرجة للتسلية.

سأحيلكم على مقطع من الأغنية الخالدة والكلمات الصادقة المعبرة للتذكير ولكل حاجة مفيدة:

“نتغي، وانتغي زون تغي تمورغي خ كنوان إك الهيف أكالي.
اور سول تكيت أيمان الضامن إل الغلات.”
بمعنى:
محاصرون كمحاصرة الجراد في السماء والقحط عل الأرض يمتد.
ولم تعد يا ماء ضامن الحصاد أو الغلة.

“إني مشاوارن غيد للي ني والان أوال##
أوركيس العيب إخ نتوكام س غيد اللي كولو يالان.”
“ماني ماني كولو كان غاد ديركازن ساغ# نان إلى غاد يلي غاد أور سول إللى ياتي.”

بمعنى:
لو حدث ان تشاور مدبري الشأن العام##
ليس من العيب في شيئ أن  تلتفوا على كل من يشكي.
أين أين غاب كل هؤلاء الرج٥ال الذين وعدوا##
أننا سننال عدة أشياء، وفي الأخير لم ننل شيئا.

*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى