
متى نتصالح مع ذواتنا و نعترف بجميل من قدّموا الغالي
- بقلم عبد السلام عبد النبي* //
و أنا أتصفح مقالًا نشر مؤخرا في إحدى الصحف الوطنية تطرق إلى مصير مئات سيارات الأجرة المهددة بالتوقف عن العمل بسبب ارتباطها بمأذونيات غير قانونية باسم أشخاص متوفين لا ورثة لهم وجدتني منساقًا للتأمل في وجع آخر أعمق و أشد قسوة ، وجع شريحة من أبناء هذا الوطن طواهم النسيان رغم أن آباءهم سطّروا بدمائهم صفحات من تاريخ هذا البلد حين هبّوا للدفاع عن وحدته الترابية يوم كانت الصحراء مسرحًا لحرب الوجود .
أتساءل …!!! لماذا لا تتحول هذه المأذونيات التي أصبحت عبئا قانونيًا وا إداريًا إلى فرصة حقيقية لرد الاعتبار ؟
لماذا لا نرى فيها إمكانيات للإنصاف و الكرامة بدل أن تُركن في رفوف الملفات العالقة ؟
لماذا لا نمنحها لأبناء الشهداء الذين ضاقت بهم سبل الحياة و أُغلقت في وجوههم أبواب الرزق و هم الأَولى بنيل جزء من عرفان الوطن ؟
إن شباب أبناء الشهداء قد ضاقوا من مرارة الوجع حدّ الشبع كبيرُنا صار جدًّا ، و صغيرُنا صار أبًا ، و ما زال الحِمل الثقيل على أكتافهم منهم من أُنهك جسده بفعل المرض و منهم من يقاسي الإعاقة في صمت و منهم من يعيش يومه تحت وطأة البطالة و الإهمال و لا من يسأل أو يلتفت إليهم .
و من أراد أن يعرف فليسأل فقط عنهم و ليقترب من معاناتهم سيعرف حينها أنهم ما زالوا يعيشون صراعًا مريرًا من أجل البقاء لا من أجل الترف .
نحن هنا لا نبحث عن الصدقات بل عن الحد الأدنى من الاعتراف و العرفان ما نطلبه هو أن ينصف الوطن أبناءه ممن ضحّى آباؤهم في سبيله و إن كانت المأذونيات
– في ظاهرها – رخصة عمل فإنها في باطنها قد تحمل خلاصًا إنسانيًا و اجتماعيًا لأسر بأكملها لو وُضعت في موضعها الصحيح .
إن الوطن إن أراد قادر على أن يُحرّك محرك التشغيل فالوسائل موجودة و المداخل واضحة فقط نحتاج إلى تحرير العقل و تسخير الإدراك إلى أن يتسع الوعي فيفهم أن من حوله من أبناء هذا الوطن يمكن أن تُصان كرامتهم بلقمة عيشهم / لا بذل و لا بإذلال / بل بعز و كبرياء كما عاش آباؤهم و كما يستحقون .
لماذا نبقي العقل مغلقًا و العين مغمضة عن أبناء من كانوا وقود المعارك الكبرى؟
لماذا لا نوسّع مفهوم التصالح الوطني ليشمل هذه الفئة التي عانت بصمت دون صوت أو مطالبات صاخبة ؟ أليست هذه هي اللحظة التي نحتاج فيها إلى وقفة ضمير جماعية تُعيد ترتيب الأولويات و تُقرّ بأن العرفان ليس شعارًا يُرفع بل قرار يُنفَّذ ؟
إنّ التصالح الحقيقي مع ذواتنا يبدأ من هذه النقطة : من الاعتراف بأن هناك من أعطى دون أن يأخذ و أن هناك من يستحق أن يكون جزءًا من بناء المستقبل لا هامشًا فيه .
أبناء الشهداء ليسوا عبئًا على هذا الوطن بل هم امتداد لمجده و جزء لا يتجزأ من ذاكرته و روحه .
فهل آن الأوان أن نفتح أعيننا على هذه الحقيقة ؟
و هل سنمتلك شجاعة القرار ، لا فقط نُرفع الخطابات ؟
الوطن ليس جغرافيا فقط بل هو منظومة أخلاق و وفاء. و لن يستقيم له حال ما دامت فئات من أبنائه تعيش بين جدران التهميش ، تنتظر أن تُنصفها ذاكرة الزمان ، أو قرار مسؤول ليُعيد إليها بعضًا من كرامتها .
*بقلم عبد السلام عبد النبي ابن شهيد حرب الصحراء المغربية 1975. 1991

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News