ماذا تبقى من إرث عبد الرحيم بوعبيد؟
بقلم الأمين مشبال*
انقضت 30 سنة على رحيل عبد الرحيم بوعبيد، أحد أبرزالشخصيات في تاريخ المغرب المعاصر. فالمتتبع لمسير الرجل يجده قد بدأ نشاطه السياسي باكرا إذ كان ضمن الوطنيين الشباب الذين وقعوا، في مطلع أربعينيات القرن الماضي،على وثيقة11 يناير للمطالبة باستقلال المغرب، كما شغل بوعبيد منصب وزير الاقتصاد في حكومة أحمد بلافريج سنة 1958.
بعد الانشقاق الذي حصل داخل حزب الاستقلال مع بداية 1959، وتأسيس الجناح اليساري داخله لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أصبح عبد الرحيم بوعبيد، بجانب شخصيات بارزة داخله أمثال المهدي بنبركة والفقيه البري وعبد الرحمن اليوسفي، رمزا للمعارضة، الجذرية في مواجهة القصر والقوى السياسية المتحالفة معه، في ستسنيات وبداية سبعينيات القرن الماضي.
وتبقى إحدى الميزات اللافتة في شخصية عبد الرحيم بوعبيد الكاريزما السياسية التي كان يتمتع بها، الأمر الذي مكنه من ضبط التوازناتداخل الحزب ما بين جناحين رئيسيين داخل الح الحزب، لهما تقديرات وتصورات متباينة، جناح يؤمن بالنضال السياسي الشرعي وآخر كان يؤمن بالعنف المسلح سبيلا للتغيير والوصول للسلطة( ماعرف تاريخيا بجناح الفقيه البصري)، قبل أن يقود سنة 1975، بجانب الشهيد عمر بنجلون وآخرون) القطيعة مع ازدواجية الخطاب والممارسة، وتبني النضال الديمقراطي كاختيار استراتجي.كما أن الحنكة السياسية والشخصية الاعتبارية لعبد الرحيم بوعبيد جعلته المخاطب الرئيس للحزب أمام الملك الحسن الثاني في عدة محطات تاريخية الأمر الذي مكنه من الحفاظ على تواجد الحزب وتعاطف فئات واسعة من الشعب المغربي.
اليوم وبعد مرورثلاثة عقود على رحيل أحد رموز الحركة التقدميةالمغربية، يحق أن نتساءل ماهو الإرث السياسي لهذا الرجل، والذي كان في نفس الآن مشروع حزب تاريخي كبير قدم مناضلوه تضحيات جسيمة في سبيل مغرب ديمقراطي؟ ولماذا أصبحت المقاعد أهم من الديمقراطية نفسها؟ ولماذا أضحت مثلا المشاركة في الحكومة ولو بمقعد رمزي (على غرار درهم رمزي)،عكس حقبة الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضي غاية غالية تستحق الاستجداء؟ ولماذا قام ورثة بوعبيد في تدبير شؤون الحزب إلى التطبيع مع منظومة الفساد الانتخابي بحيث لم يعد مخجلا في شيئ منح التزكية، على حساب المناضلين الحزبيين، لأصحاب الشكارة و محترفي الاسترزاق السياسي؟
بالمقابل، وفي محاولة فهم بعض معطيات الواقع المغربي الراهن، يحق لنا أن نتساءل يمكن اعتبار ما يجري في حزب عبد الرحيم بوعبيد، وباقي الأحزاب اليسارية عموما من تفكك وتراجع جلي في التأثير والإشعاع مرتبط بتقادم نموذج تنظيمي معين يعود لستينيات وسبعينيات القرن الماضي مثلما هو الأمر بالنسبة لمفهوم “المركزية الديمقراطية”؟ ألا يحبذ عدد لايستهان به من المواطنين منح أصواتهم للشخص “اللي فيدو الشغول” وعلى الأعيان عموما؟
تحدث مجمل هاته التحولات في ظل تراجع خطير لمنسوب القيم الإيجابية في المجتمع، مقابل ازدهار قيم الربح السريع والغش والنفور من الالتزام السياسي…الخ مما قد يشكل إحدى المؤشرات الدالةعلى تفكك الطبقة الوسطى بالمغرب، بحكم الاستنزاف الاقتصادي الذي تعرفه منذ سنوات متواصلة، ولكون تلك الطبقة الاجتماعية رافعة النضال بشقيه السياسي والثقافي من أجل الديمقراطية والتقدم؟
*إعلامي وباحث
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News