الثقافة

مائوية سامبين عصمان..من الأدب الى السينما

محمد بكريم

ملاحظة في البداية حول كتابة الاسم الذي عرف به هذا السينمائي الفذ ورائد السينما الافريقية وعرابها. فتارة يكتب “عصمان سامبين” وتارة “سامبين عصمان”. المخرج الراحل كان يفضل أن يكتب اسمه “سامبين عصمان”. أي تقديم الاسم العائلي على الاسم الشخصي او “الاسم الصغير” كما طلب مني ذات مرة الكاتب المغربي طاهر بنجلون.

واختيار هذا الترتيب يعود لسببين اثنين. الأول: لأنه كان لا يحب اسم “عصمان” لأسباب ثقافية عائلية، ويعتبره “دخيلا” على الموروث الثقافي لشعبه. والسبب الثاني سياسي أيديولوجي وذلك لكون وضع الاسم الشخصي قبل العائلي تقليد استعماري فرضته فرنسا عندما بدأت تطبيق مخطط تعميم الحالة المدنية في مستعمراتها. ورفضه لذلك الترتيب يدخل في إطار صراعه السياسي والثقافي مع الإرث الاستعماري، شأنه شان زميله في الكتابة والتمرد الجزائري كاتب ياسين، صاحب رواية “نجمة” والذي فضل هو أيضا كتابة اسمه بشكل مخالف لترتيب الحالة المدنية فاشتهر باسم “كاتب ياسين” عوض “ياسين كاتب”…

ان النقاش حول الاسم يحيل الى الطبيعة المتميزة لشخصية سامبين واحدى تمظهرات حياة مليئة بالأحداث شكلت مادة درامية لم يتردد عندما سمحت له الظروف ان يحولها الى مادة درامية على شكل روايات قبل ان يحقق مجده في الفن السابع.

لقد كان وراء تسريع وتيرة انخراطه في الكتابة حادث شغل خطير كاد أن يودي بحياته اذ تعرض لكسر على مستو عموده الفقري مما فرض عليه التوقف عن العمل كحمال في الميناء. واستغل فترة التوقف الاجباري هذه لكتابة روايته الأولى “الحمال الأسود أو عامل الميناء الأسود” ، كما انه استثمر جزء من التعويض عن الحادث من اجل تمويل طبع الرواية على نفقته الخاصة اذ تم رفضها من طرف كبار الناشرين. وظهرت الرواية فعلا سنة 1956 وهي بمثابة عمل تخييلي لا تخلو من بعد وثائقي يتغذى بوقائع حقيقية من حياة سامبين. ورغم تجاهلها من طرف النقد المؤسساتي فان الرواية عرفت إقبالا كبيرا من طرف جمهور القراء…

وإذا كانت الماد الدرامية مستوحاة من الواقع (ميناء مرسيليا في بداية خمسينات القرن الماضي) فان صياغتها الأدبية جاءت نتيجة القراءات في اعمال كبار الروائيين. يقول سامبين بهذا الصدد انه أثناء كتابة الرواية كان يفكر في أعمال الكاتب الأمريكي الشهير جاك لندن. بل أنه قال لأحد الباحثين المتخصصين في أعماله ” إذا اردت أن تعرفني حقا فاقرأ جاك لندن وأنصحك أن تبأ بسيرته الذاتية”.

وجاك لندن (1876- 1916) من أشهر الروائيين الأمريكيين، وهناك شبه كبير بين مسار حياته وحياة سامبين. فهو أيضا عرف تقلبات عديدة ستطبع تكوينه، انتقل بين عدة مهن : عامل، صحافي، متشرد، بحار…تجربة حياة مريرة اثمرت العديد من الأعمال منها: أهالي قعر البحر، مارتن ادن (نوع من السيرة الذاتية وهي التي أثرت كثيرا على سامبين) او نداء البرية وغيرها. وإذا كان عصمان سامبين وجد في السينما تتويجا واستمرارا لإبداعه واختار لغة السينما لمخاطبة جمهوره في افريقيا فان جاك لندن ستستفيد أعماله الروائية من السينما وتزيد من شعبيته رغم غيابه المبكر حيث ستتحول أكثر من أربعين اعماله القصصية والروائية الى أفلام. ومازال ذلك مستمرا. ففي 2018 سيظهر فيلم تحريك مقتبس من روايته “الكلب الأبيض”.

 

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى