المغرب اليوم

لم الخلاف؟

  • بقلم : م . عبدالسلام صرصاري

      تشق الأمازيغية طريقها نحو التطور تشريعيا وثقافيا ولغويا  بصمت غير عابئة بالعراقيل التي يضعها أمامها معارضوها، ولا بالمكائد التي يحيكها  أعداؤها للنيل منها.

      والمتصفح لبعض الجرائد والمواقع ،والمتتبع لأنشطة بعض الجمعيات والمنظمات على اختلاف مشاربها ومذاهبها يلاحظ تراشقا بين العاملين على إحقاق حقوق الأمازيغية، وبين الواقفين ضدها ، والمعادين لها، ما خلق جدلا عقيما ،ونقاشا تافها ،اتخذا منحى غير سليم، وبالتالي غير مجدي.

    وقد سالت بعض الأقلام بمداد العصبية ،فاتهموا الأمازيغ بالعصبية العرقية والعمالة ،وشق الصف ،وهو اتهام مردود على أصحابه، مجحف في حق الأمازيغية والأمازيغ، لأن الحقيقة ليست كذلك ،ولو حصل ذلك فيما مضى ،أو حتى الآن لما كان المغرب كما هو اليوم .

    لكن من هم أولئك الرافضون والمعادون ؟

    لا يعدون أن يكونوا صنفا من هذه الأصناف :

    يان : جاهلون بحقيقة الأمر ، وبالتاريخ، ومن ذوي العقول المبرمجة على بعد واحد ،ونظرة فأرية لا تتعدى سنتمترات من أنوفهم، وهم على مستوى ثقافة جداتهم العجائز ووعيهن، وهؤلاء معذورون أصلا.

   سين : عنصريون محترفون، يحكمون على الغير انطلاقا من نفوسهم المريضة، التي تعمل على إقصاء كل من يخالفهم رايهم العقيم ، وتوجههم الإيديولوجي والإثني، وهم لا يلامون ،كونهم قولبوا كذلك.

 كراظ : ذوو النيات السيئة والنفوس المريضة الشريرة ،ممن جبلوا على السباحة في المياه العكرة، والأوحال النثنة ،ممن لا يستقر لهم رأي ، ولا يقوم لهم مبدأ ،ساديون ، حاقدون ،وهم الورم السرطاني الذي ينخر جسم مجتمعنا، لم تستطع لا التربية ولا الزمن أن يستأصلاه وهم أخطر هذه الأصناف، والذين يجب التصدي لهم بكل قوة ورزانة وحكامة، و مصيرهم مصير كل الذين لعبوا بالنار فاحترقوا، وبقيت لعنات الأحياء عليهم إلى يوم الدين.

   كوز : بعض الأمازيغ الذين يشاركون الأصناف السابقة أفكارهم ،ممن لا يعيرون أي اهتمام للهوية الأمازيغية. وهم أشد ضررا بالأمازيغية، وأكثر عرقلة لها، لأنهم يقدمون صورة قبيحة عن نضال الأمازيغ وأهدافهم، والأمازيغ بريؤون منهم.

وإذا تركنا هؤلاء جانبا ، نجد سلوك الآخرين ناتجا عن سوء فهم ،أو التباس في الرؤى، ويمكن حصر ذلك في النقط التالية :

  • عدم التمييز عند هؤلاء بين الأمازيغية كلغة وثقافة وحضارة ، وبين الأمازيغية كعرق وأصل. فلكل إنسان الحق في الاعتزاز بنفسه ، وبنسبه ، والتعصب العقلاني لعرقه ،لكن الواجب عليه ابتداء التأكد فعلا من انتسابه لهذا العرق. فقد تجعله اللغة التي اكتسبها بالوراثة ، أو بالتواجد في منطقتها يتعصب لعرق ليس عرقه ، ولأصل ليس أصله، و بالتالي يحتقر عرقا هو عرقه ، وأصلا هو أصله، ولا أحد يجهل ما لاختلاط الأنساب من خطورة ، شرعا كان ، أو اغتصابا ،أو زنا، كما أن تعايش عدة سلالات في شمال إفريقيا يجعل عملية الفرز صعبة بل مستحيلة.

أما الافتخار باللغة فهو حق ، لأن اللغة هي الحقيقة  البينة التي يملكها الإنسان ولا يحتاج إلى من يؤكد امتلاكه لها، وعليه أن يعمل على تطويرها لسانيا وثقافيا، وأدبيا وفنيا، وأن لا يتقاعس عن خدمتها، أو يتنكر لها، هذه الخدمة التي لن تكون أبدا معاداة لغة أخرى، أو الدعوة إلى إماتتها، أو احتقار ناطقيها، أو التصغير من شأنها، أو ادعاء التفوق عليها وعليهم، وعلى هذا الأساس علينا جميعا أن نتعامل مع لغتينا الوطنيتين، إذ هما ملك لجميع المغاربة، ولا حق لأحد منا اغتصاب هذا الحق من غيره.

فالدفاع عن الأمازيغية أو العربية لا يقتضي بالضرورة ربطها بالعرق ، أو إقصاء لغات أخرى، أو ترويج إشاعات ومفاهيم خاطئة ،لأن هذه اللغات لا تحتاج إلى تبرير وجودها فهي موجودة وحية، بقدر ما تحتاج إلى من يظهر جواهرها الثمينة التي طالها الإهمال والتهميش والإقصاء، منذ الفنيقيين، نتيجة طيبوبة إنسان هذه الأرض الطيبة، و جنوحه للسلم، وحبه للاستقرار والأمن.

  • الجمع بين الإسلام والعروبة،سواء من هذا الطرف أو ذاك،وهو تجميع خاطيئ قطعا، وتفكير عقيم،فليس كل العرب مسلمين ،وأكثر المسلمين ليسوا عربا،وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة ،بغض النظر عن ألوانهم وألسنتهم ، وأجناسهم ، وأوطانهم.
  • التشكيك في الأصول و الأنساب من طرف متطرفي الطرفين وفي التاريخ ، مما جعل كل طرف يفسر أحداث التاريخ حسب هواه بعيدا عن المنطق و الموضوعية والحقيقة.

لقد عاش الأمازيغي والعربي جنبا إلى جنب منذ وصول هذا الأخير إلى أرض تمازغا، سواء حاملا للدعوة الإسلامية ،أو ملتجئا ، أو مهاجرا ،وتصاهرا وعاشا إخوة سعداء متحدين ضد التدخلات الأجنبية التي حاولت وتحاول التفريق بينهما، يلهج كل منهما بلغته دون ان تضايق الآخر.

فلنبقى جسما واحدا موحدا، لغتنا الأمازيغية العربية، ووطننا موحدا من طنجة إلى الكويرة.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى